يخلو كل جزء منها ؛ إذ جملة الأفعال عن العواقب ، والواحد منها إذا خرج يصير عبثا وسفها ، فثبت بالذي ذكرت القول بالتوحيد ، وبالدارين ، وبالرسالة ؛ إذ بها تعرف العواقب بما هي غائبة ، وحقائق كل غائب تعرف بالإخبار عنها والدلالة عليها ، ثم لا دلالة على ماهية الجزاء ولا بالشكر ولا العبادة ، إنما الدلالة من حيث التدبير على العلم بها جملة ، فلزم القول بالرسل ، ولا قوة إلا بالله.
ثم قوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) يحتمل وجهين.
أحدهما : خلق أصول الأشياء التي يكون غيرها بحق التولد عن ذلك والانقلاب.
ويحتمل أن يكون على خلق كليّة كل شيء ، مما عليه تركيب هذا العالم إلى أن يبدل بعالم آخر ، لا يبيد ولا يفنى ؛ فإن كان على الأول فهو ستة من السبعة التي عليها مدار المدد والأزمنة ؛ إذ جعل ـ جل ثناؤه ـ جميع ما ذكر من الخلائق تحت الأزمنة (١) والأوقات (٢) ، ويزول بزوال مدارها ، وكذلك عندنا كل الحوادث ؛ إذ لكل منها بدء يصير
__________________
(١) الزمن والزمان يطلقان على قليل الوقت وكثيره ، والجمع : أزمان وأزمنة وأزمن ، والعرب تقول : لقيته ذات الزّمين : يريدون بذلك تراخي الوقت ، كما يقال : لقيته ذات العويم ، أي : بين الأعوام ، ويقولون أيضا : عاملته مزامنة من الزمن ، كما يقال : مشاهرة ، من الشهر ، ويسمى الزمان : العصر أيضا.
وقد اختلف في حقيقته اصطلاحا على خمسة أقوال :
الأول : قيل : إنه جوهر مجرد عن المادة لا يقبل العدم لذاته.
الثاني : قال بعضهم : هو الفلك الأعظم.
الثالث : وقال آخرون : حركة الفلك الأعظم.
الرابع : قال بعضهم : إلى مقدار حركة الفلك.
الخامس : مذهب الأشاعرة ، وهو أنه متجدد معلوم يقدر به متجدد موهوم ؛ إزالة لإيهامه ، وقد يتعاكس بحيث ما هو متصور ، فإذا قيل مثلا : متى جاء عمرو ، يقال عند طلوع الشمس ، إذا كان المخاطب مستحضرا الطلوع ، وإذا قيل : متى طلوع الشمس ، يقال : حين جاء عمرو ، لمن كان مستحضرا مجيء عمرو ، فالزمان على هذا القول الأخير أمر اعتباري ، وعلى الثاني من مقولة الجوهر ، وعلى الثالث : من مقولة الأين ، وعلى الرابع : من مقولة الكم ، ولا يندرج تحت مقولة على الأول والخامس ؛ لأنه على الأول من أقسام الواجب كالعقول والنفوس ، والمندرج تحت المقولات هو الممكن ؛ لأنها أجناس عالية للممكنات ، وعلى الخامس هو اعتباري كما تقدم.
وأما معنى الكون في الزمان فهو أن يكون وجوده زمانيّا ، بمعنى أنه لا يمكن أن يحصل إلا في زمان ، كما أنه معنى الكون في مكان أنه لا يمكن حصوله إلا في مكان.
وقد اتفق أهل الملل على أنه تعالى ليس في زمان ، وهذا مما لا يعرف للعقلاء فيه خلاف ـ وإن كان مذهب المجسمة يستلزمه ؛ لأن الجسم حادث ووجود الحادث لا بد أن يكون زمانيا.
ينظر : الصحاح (زمن) ، والقاموس (زمن) ، والمصباح (زمن) ، والتعريفات للجرجاني (١٥٢).
(٢) جمع : وقت ، وهو في اللغة : مقدار من الزمان مفروض لأمر ما ، وكل شيء قدرت له حينا فقد وقّته توقيتا ، وكذلك ما قدرت له غاية. ينظر المصباح المنير (وقت).