__________________
ـ عن يساره أو فوقه أو تحته أو أمامه أو خلفه ، ولا في مكان من الأمكنة على عموم تفاسير الجهة والمكان ، واستدلوا على ذلك بوجوه :
الوجه الأول : أنه قد ثبت بالبرهان القاطع وجوب وجود الإله جل وعلا ؛ فيكون قديما ، كما ثبت امتناع تعدد القدماء عند الخصمين ، وكونه في جهة أو مكان يقتضي تعدد القدماء وهو باطل اتفاقا ، ونظم الدليل على شكل قياسي استثنائي أن يقال : لو كان الإله في جهة أو مكان للزم تعدد القدماء ، والتالي باطل باتفاق الخصمين ؛ فبطل ما أدى إليه وهو كون الإله في جهة أو مكان ؛ فثبت نقيضه وهو أنه تعالى ليس في جهة ولا مكان ، وهو المطلوب.
أما دليل الملازمة ؛ فلأنه تعالى لو كان في جهة أو مكان للزم قدم المكان ؛ فتتعدد القدماء ، وهو باطل اتفاقا.
الوجه الثاني : لو كان الرب تعالى في مكان فإما أن يكون في بعض الأحياز أو في جميعها ، وكلاهما باطل.
أما الأول ؛ فلأنه يلزم الترجيح بلا مرجح أو احتياج الواجب إلى الغير ، وذلك لتساوي الأحياز في أنفسها ؛ لأن المكان عند المتكلمين هو الخلاء المتشابه لتساوي نسبة ذات الواجب إليها ، وحينئذ فيكون اختصاصه ببعضها دون بعض آخر منها ترجيحا بلا مرجح إن لم يكن هناك مخصص من خارج ، أو يلزم احتياج الواجب في تحيزه الذي لا تنفك ذاته عنه إلى الغير إن كان هناك مخصص خارجي.
وأما الثاني ، وهو أن يكون في جميع الأحياز ؛ فلأنه يلزم تداخل المتحيزين ؛ لأن بعض الأحياز مشغول بالأجسام ، وتداخل المتحيزين مطلقا محال بالضرورة ، وأيضا فيلزم على التقدير الثاني مخالطة لقاذورات العالم ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ ومنع هذا الدليل منعا تفصيليا باختيار أنه في بعض الأحياز ، ولا يلزم الترجيح بلا مرجح ولا الاحتياج ، لجواز أن تكون لذاته تعالى نسبة مخصوصة إلى ذلك البعض ، أو يكون المخصص هو الإرادة.
وأجيب عن الأول بمنع اختلاف النسبة فيما يشابه المنسوب إليه.
وعن الثاني بأن استناد المتمكن إلى الإرادة يوجب حدوثه ، والمتمكن قديم ، فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون قبل هذا المكان في مكان آخر لا إلى نهاية فلا يلزم حدوثه؟ أجيب بأن الانتقال من مكان إلى آخر لا يكون إلا بالحركة ضرورة ، وهي حادثة ؛ فيكون الواجب محلا للحوادث ؛ فيلزم حدوثه ، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الوجه الثالث : لو كان الواجب تعالى متحيزا لم يكن منفكّا عن الأكوان ، أما الملازمة فظاهرة ؛ لأن المتمكن لا ينفك عن الأكوان في مكان ما ، وأما بطلان التالي فإن عدم الانفكاك عن الأكوان يلزم منه حدوثه ؛ وذلك أن الأكوان موجودة عند المتكلمين فتكون حادثة ؛ لأن كل موجود سوى الله تعالى حادث ؛ فيكون تعالى محلا للحوادث ، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.
فلو كان الواجب تعالى في جهة أو مكان لكان حادثا ، وهو باطل اتفاقا.
الوجه الرابع : التحيز في المكان من خواص الجوهر والعرض ، والمراد بالجوهر هاهنا : هو المتحيز القائم بنفسه ، والعرض : هو المتحيز القائم بغيره ، وحيث أخذ التحيز في مفهوميهما فلا واسطة بين أن يكون الشيء جوهرا أو عرضا ، وإذا كان الواجب متحيزا في مكان كان جوهرا ؛ لاستحالة أن يكون عرضا ؛ إذ لو كان عرضا لما اتصف بصفات المعاني من القدرة والإرادة وغيرهما ، وإذا كان جوهرا : فإما ألا ينقسم أصلا أو ينقسم ، وكلاهما باطل : أما الأول فلأنه يكون جزءا لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وأما الثاني : فلأنه ـ