العرش ؛ كقوله (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الأعراف : ١٨٩] بمعنى : وقد جعل منها زوجها ، وعلى هذا ليس في قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ ...... ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) الشبهة التي في الأول كما لم يكن في قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : ٣٠] إذا صرف إلى «عند» شبهة ؛ فيكون : وقد استوى : خلق العرش ؛ كقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [البقرة : ٢٩] بمعنى : ثم خلق السماء أو قصد خلقها ، ونحو ذلك.
وقال الحسن (١) : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي : استوى عليه أمره ، وصنعه ، أي : لم يختلف عليه صنع العرش ، وأمره ، ـ وإن جل ـ أمر غيره وصنعه (٢) ، كقوله : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨] على استواء الأمر في التدبير والصنع.
وقال الحسن (٣) : معناه : استولى على العرش ، كما يقال : استوى فلان على بغداد (٤) ، بمعنى : استولى.
وقال قوم (٥) : معناه : استوى (٦) عليه ، وهو فوق كل شيء في القدرة والعظمة ، تعظيما له على غير اختلاف عليه في التحقيق بينه وبين غيره ؛ كالذي ذكر بأن الأمر كله يوم القيامة له ، والمساجد له ، على التفصيل دون تخصيص له في ذاته من حيث ذلك.
وقال قوم : إذ كان العرش فوق كل شيء في تقدير المعارف ، فقال : هو علاه بمعنى لا يوصف في الخلق ، ولكن على ما كان ، ولا خلق.
ونحن نقول ـ وبالله التوفيق ـ : قد ثبت من طريق التنزيل بأنه استوى على العرش ، وقد لزم القول بأنه ليس كمثله شيء ، وعلى ذلك اتفاق القول ألّا يقدر كلامه بما عرف من كلام الخلق ، ولا فعله به ، وما يوجبه ، ولا علمه ، ولا ما قيل : هو ربّ كذا ، أو مالك
__________________
(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٣١٠).
(٢) في أ : وضعه.
(٣) في أ : الحسين.
(٤) كانت أم الدنيا وسيدة البلاد ، فيها سبع لغات : بغداد ، وبغداذ ، وبغذاد ، ومغداد ، ومغداذ ، ومغدان ، وبغدان ، وهي في اللغات كلها تذكر وتؤنث ، وكانت في زمن الفرس قرية تقوم بها سوق للفرس ، فأغار عليها المثنى في أيام سوقهم ، فانتسفها. قال أحمد بن حنبل : بغداد من الصراط إلى باب التبن ، ثم انتقلت إلى الجانب الشرقي من الشماسية إلى كلواذي وكانت عظيمة فخربت باختلاف العساكر إليها واستيلائهم على دور الناس وأمتعتهم فلم يبق من الجانب الغربي إلا محال متفرقة ، أعمرها كان الكرخ ، وخرب من الجانب الشرقي من الشماسية إلى المخرم ، وبني السور على ما بقي منه على جانب دجلة حتى جاء التتر إليها فخربوا أكثرها ، وقتلوا أهلها كلهم ، فلم يبق منهم غير آحاد كانوا أنموذجا حسنا ، وجاءها أهل البلاد فسكنوها وباد أهلها ، وهي الآن غير التي كانت.
ينظر : مراصد الاطلاع (١ / ٢٠٩).
(٥) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٣١٠) وكذا ابن عادل في اللباب (٩ / ١٤٥).
(٦) في أ : استولى.