كذا ، لا يراد به المفهوم من الخلق ، لكن الوجه الذي يليق به ، وما يوجبه حق الربوبية ؛ فمثله (١) في الأوّل.
ثم يلزم تسليم المراد لما عنده إذ لم يبينه لنا ، وقد ثبت نفي ما يفهم من غيره.
وبعد ؛ فإن القول فيه بالمكان يفسد بالذي به يحتج بوجوه.
أحدها : إن قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) إخبار عن فعله الذي في التحقيق ، يضاف إليه في خلق [الخلق](٢) على اختلاف المخرج في القول ؛ نحو : أن ذكر مرة أبدع (٣) ، ومرة (فطر) (٤) ، (وجعل) (٥) ، (وأنزل) (٦) وأثبت (٧) ، وكتب (٨) ، (وأعطى) (٩) ، وأنشأ (١٠) ، وغير ذلك من الألفاظ.
حقيقة ذلك : أنه خلق إذ ذلك معنى فعله في الحقيقة ، وعلى ذلك كون وفعل وأمر في بعض المواضع ، ثم يجب توجيه كل من ذلك إلى الوجه الذي يليق فيه القول بخلق ، وكذا في (هُدىً)(١١) (وأضل) (١٢) (وزين) (١٣) وأتقن (١٤) وأحكم (١٥) ، ونحو ذلك.
__________________
(١) في أ : فمثاله.
(٢) سقط في أ.
(٣) كما في قوله تعالى (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧].
(٤) كما في قوله تعالى (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف : ١٠١].
(٥) كما في قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فاطر : ١].
(٦) كما في قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٢].
(٧) كما في قوله تعالى (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد : ٣٩].
(٨) كما في قوله تعالى ... (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [البقرة : ١٨٧].
(٩) كما في قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١].
(١٠) كما في قوله تعالى (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) [الواقعة : ٣٥].
(١١) كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[يونس : ٩].
(١٢) كما في قوله تعالى (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)[النساء : ٨٨].
(١٣) كما في قوله تعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ١٠٨].
(١٤) كما في قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) [النمل : ٨٨].
(١٥) كما في قوله تعالى (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) [الحج : ٥٢].