فكذلك في قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) يجب أن يقابل ذلك بخلق ؛ إذ هو إضافة إلى فعله.
ثم يخرج على وجهين.
أحدهما : ثم خلق العرش ، ورفعه ، وأعلاه ، بعد أن كان العرش على الماء ؛ كقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١] ، وليس ثم تنقّل من حال إلى حال ؛ إذ لو كان كذلك لكان (١) يصير حيث ثم ينتقل من خلق إلى خلق فيما يخلق ، فيكون في الوقت الذي يصير إلى العرش صائرا إلى الثرى (٢) ، وفي الوقت الذي يحدث (٣) خلق ما في الأرض ؛ وما في السماء ، متنقلا من ذا إلى ذا ، وذلك تناقض فاسد ، وفي ذلك بطلان معنى القول بالاستواء على العرش ، بل يكون أبدا غير مستو عليه حتى يفرغ من خلق جميع ما يكون أبدا ، وذلك متناقض فاسد ، جل الله عن هذا التوهم ، وبالله التوفيق.
والثاني : أن يكون قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي : إلى العرش في خلقه ، ورفعه ، وإتمامه ، دليل احتماله على ذلك أن [على](٤) من حروف الخفض [و](٥) قد يوضع بعض موضع بعض ؛ كقوله : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) [المطففين : ٢] بمعنى : عن الناس ، وقوله : (إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : ٣٠] بمعنى : عند ربهم ، مع ما قال الله : (إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٩](وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) [النحل : ٩] بمعنى إليه ، وعلى ذلك : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [أي](٦) : إلى العرش وهو على الماء كما ذكر ما فرفعه وأتمه ؛ كما قال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١] ، فخلق ما ذكر ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : فكان.
(٢) أي التراب الندي الذي تحت هذا التراب الظاهر وقيل : ما تحت الأرض السابعة. وثريت : ألقيت ، أثريه تثرية : بللته.
ويقال : ثرّى المكان أي رشه ، وفي الحديث : «أتي بسويق فأمر به فثري» أي : بل. وأثرى فلان : كثر ماله حتى صار كالثرى ، كقولهم : أثرت ، والثراء بالمد : الغنى وكثرة المال. وفي حديث أم زرع : «وأراح على نعما ثريا» أي كثيرا وقال حاتم :
أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى
فالثرى بالقصر التراب ، وبالمد : المال.
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ٣٢٠ ، ٣٢١) تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ٤٤).
(٣) في ب : يجدد.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.