على حالة منها بأضدادها ، وفي ذلك الجهل باللذات والآلام ، فيجب بذلك اختلاف الأحوال ، وعلى ذلك جرى أمر خلق الخلائق ، وعلى هذا أمر الأرزاق وغير ذلك ، فعلى ذلك أمر خلق ما ذكر في أيام مختلفة ثم يجمع في البعث بمرة ، وفي حال من حال اللذات ، والبعث بمرة مع ما (١) كان اختلاف الأحوال أقرب إلى الدلالة ، وأوضح للحجة ؛ فلذلك جعل في هذه الدار إلزام الحجة وإظهار المحنة والكلفة ، والله الموفق.
والأصل أن العقول إنشاءات متناهية تقصر (٢) عن الإحاطة بكلية الأشياء ، والأفهام متناقصة عن بلوغ غاية الأمور ؛ إذ هن من أجزاء العالم الذي هو بكليته متناه ، وأسباب الإدراك التي يدرك بها بأداء (٣) المشاعر التي تعجز عن كنه (٤) ما يقع عليها من الظواهر ، فضلا عما استتر منها ، وإذا كان هذا وصف ما يدرك به مبلغ الحكمة ، فهو قاصر عن الإحاطة بالحكمة الموضوعة من البشر ، فمن رام الإحاطة بها أو بلوغ حكمة الربوبية من غير إشارة منه ، فهو يظلم العقل ، ويحمل عليه ما يعلم عجزه عنه ، ومعلوم أن المذكور من الأيام في خلق ما ذكر حكمة بالغة ، وإن قصرت العقول عن الإحاطة [بها] ؛ إذ الذي قدّرها هو الذي حمد الحكمة ، وأوجب لأهل العقل [في](٥) ذمّ السفه وأهله ، فأوجب ذلك تحقيق الحكمة لذلك ، وإن لم يبلغها إلا مقدار ما يكرم به ، والله الموفق.
وقوله : و (مُسَخَّراتٍ) ما ذكر ، فكذلك سخرهن بالسير فيما يرجع إلى منافع الخلق ، وجعل فيهن آية لو لا العيان لم يكن يصدق به أحد ممن يجحد البعث والرسل ونحوهم ، إذ الخبر عن سير جوهر واحد في اليوم الواحد مسيرة أكثر من ألف سنة ، وتولد جواهر بمعونة من يبعد عنه مقدار خمسمائة [عام](٦) ونضج (٧) كل شيء وصلاحه به أبعد عن احتمال القبول من (٨) إعادة شيء بعد الفناء أو إرسال الرسل بإعلام ما خفي من المصالح والأمور ، إذ (٩) ذلك أمر متعالم في صنع الخلق معاني (١٠) ذلك فيما به تقلّب الزمان من
__________________
(١) في أ : مهما.
(٢) في أ : نقصت.
(٣) في ب : بإدراك.
(٤) كنه الأمر : كنها أدرك حقيقته. ينظر : المعجم الوسيط (٢ / ٨٠٢).
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : تصح.
(٨) في أ : عن.
(٩) في أ : إن.
(١٠) في أ : مما في.