الليل والنهار ، ولكن (١) الله سبحانه أظهر لهم من قدرته ، وعظيم حكمته بما بسط لهم [الأرض] بغلظها وسعتها ، ورفع عليها السماء بغير عمد ترى ، فأقر كلا من ذلك لحاجة أهلها إلى إقرارها ، وسيّر فيها بالتسخير ما ذكر ؛ لحاجة الأهل في تسيير (٢) ذلك ؛ ليعلم ألا يعجزه شيء ولا يخفى عليه أمر ، ولا يدخل في تدبيره عوج ، ولا في خلقه تفاوت ، وأن الذي أظهر إذا قوبل بالذي وعد يضاعف عليه بوجوه له مع ما كان الذي أظهر هو إبداع على غير احتذاء ، وإنشاء الإعادة ، والله الموفق.
ثم من عجيب قدرته سبحانه في قوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) أن الله تعالى يظهر النور في ابتداء النهار من طرف [من أطراف](٣) السماء ، والظلمة في أوّل الليل ، ثم ينشر ذلك ويبسطه في جميع أطراف السماء والأرض ، وما بينهما من جميع الأقطار والجوانب ، في قدر لحظة بصر ، وطرفة العين ، ما لو أريد تقدير ذلك بالهندسة (٤) ، وبجميع ما في الخلق من المقادير لما أحيط بالذي انبسط ذلك النور والظلام ؛ ليعلم أن الله على ما يشاء قدير ، وأنه لو أراد لخلق جميع ما ذكر في أدق مدة وألطف وقت ، وأنه القادر على البعث ، وجميع ما جاءت به الرسل ، على أنه بالذي ذكرت يلبس وجوه كلية الأشياء السنن ، ويجليها بطرف عين بالتدبير ، والعلم الذي [له](٥) يوجب ذلك مما يعجز عن توهم مثله جميع الحكماء ، فضلا عن إدراكه ؛ ليعلم أنه عليم لا يجهل ، عزيز لا يعجزه شيء ، حكيم لا يتفاوت صنعه ، ولا يتناقض تدبيره ، ولا قوة إلا بالله.
وقريبا من ذلك ما جعل في جوهر الإنسان من البصر الذي يبصر بأول (٦) أحوال الفتح
__________________
(١) في ب : لكن.
(٢) في أ : تيسير.
(٣) سقط في أ.
(٤) هو علم بقوانين تعرف منه الأصول العارضة للكم من حيث هو كم وقال في مدينة العلوم : هو علم يعرف منه أحوال المقادير ولواحقها وأوضاع بعضها عند بعض ، ونسبتها وخواص أشكالها ، والطرق إلى عمل ما سبيله أن يعمل بها ، واستخراج ما يحتاج إلى استخراجه بالبراهين اليقينية.
وموضوعه المقادير المطلقة أعني الخط والسطح والجسم التعليمي ولواحق هذه من الزاوية والنقطة والشكل.
ومنفعته الاطلاع على الأحوال المذكورة من الموجودات ، وأن يكسب الذهن حدة ونفاذا ويروض بها الفكر رياضة قوية لما اتفقوا على أن أقوى العلوم برهانا هي العلوم الهندسية.
ينظر : أبجد العلوم (٢ / ٥٧٣).
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : حول.