وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا) [(بِآياتِنا) قيل دابر الذين كذبوا أي : أواخر الذين كذبوا واستأصلهم فلم يبق منهم أحد ، وقيل (دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا)](١) أي : أصل الذين كذبوا بآياتنا ، ولم يبين لنا آياته التي أعطاها (٢) هودا ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى ما أخبر أن ما حل بهم من العذاب إنما حل بتكذيبهم الرسول ، وذلك كان سنة وحكمة في الأمم السالفة.
قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(٧٩)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً).
قد ذكرنا أنه صلة قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [الأعراف : ٥٩] كأنه قال :
وأرسلنا إلى ثمود (٣) أخاهم صالحا (٤).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : أعطى.
(٣) ثمود : قبيلة من العرب البائدة ، اشتهرت باسم أبيها ، فلا يقال فيها : إلا ثمود بغير «بني» ، وبذلك ورد القرآن الكريم. كانت مساكنهم بالحجر ، ووادي القرى بين الحجاز والشام.
ينظر : نهاية الأرب للقلقشندي مخطوط ق (٨٩ ـ ١) ، صبح الأعشى للقلقشندي (١ / ٣١٣) ، والأغاني للأصفهاني طبعة دار الكتب (٦ / ٢٨٠) ، وتاج العروس للزبيدي (٢ / ٣١٢) ، والصحاح للجوهري (١ / ٢١٥) ، ونهاية الأرب للنويري (٢ / ٢٩٢) ، ومعجم البلدان لياقوت (٢ / ٢٠٢) ، وقلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة ص (١١٢ ـ ٢١٥).
(٤) هو صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشج بن عبيد بن جاذر بن ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح صلىاللهعليهوسلم. قال أبو عمرو بن العلاء : سميت ثمود ؛ لقلّة مائها ، والثمد : الماء القليل ، وكانت مساكن ثمود الحجر بين (الحجاز) و (الشام) ، وكانوا عربا ، وكان صالح صلىاللهعليهوسلم من أفضلهم نسبا ، فبعثه الله تعالى إليهم رسولا ؛ وهو شاب ، فدعاهم حتى شمط فلم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون ، ولما طال دعاؤه إياهم اقترحوا أن يخرج لهم النّاقة آية ، فكان من أمرها وأمرهم ما ذكره الله تعالى في كتابه ؛ قال : وقالوا : وكان عقر الناقة يوم الأربعاء ، وانتقل صالح بعد هلاك قومه إلى (الشام) ـ