ورجلاه ، ثم يوضع بالأرض ، ثم يرمي بالنبل حتى يموت ، يقال : جثمت الطائر ، أي : شددت رجليه وجناحيه.
يقال : جثم يجثم جثما : إذا فعل ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ).
أي : أعرض عنهم ، وخرج من بينهم حين علم أن العذاب ينزل بهم.
وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، والنصيحة ما ذكرنا أن كل من دلّ آخر على ما به نجاته وسعى على دفع البلاء والهلاك (١) عنه ، فهو ناصح له ، فعلى ذلك صالح وغيره من الرسل قد دلوا قومهم على ما به نجاتهم ، وسعوا على دفع الهلاك عنهم ، لكنهم لم يقبلوا النصيحة منهم.
قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)(٨٤)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ).
ذكر في غيره من الأنبياء دعاءهم قومهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، على ما قال نوح : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٥٩] وكذلك قال هود ، وصالح ، وشعيب (٢) ، وغيرهم من الأنبياء ، ولم يذكر في لوط ذلك هاهنا ، ولا يحتمل أن لم يكن منه الدعاء إلى ما كان من غيره من الأنبياء إلى توحيد الله وعبادته قبل النهي عن
__________________
(١) في ب : الهلاك والبلاء.
(٢) هو شعيب بن ميكائيل بن تسخر بن مدين بن إبراهيم الخليل صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن قتيبة وجدة أم شعيب : بنت لوط صلىاللهعليهوسلم. قال الثعلبي : وكان يقال لشعيب : خطيب الأنبياء ، وعمي في آخر عمره. قال قتادة : بعثه الله تعالى رسولا إلى أمتين (مدين) وأصحاب (الأيكة).
وعن ابن عباس ، أن شعيبا كان كثير الصلاة ، قالوا : فلما طال تمادى قومه في كفرهم وغيّهم وعنادهم بعد المعجزة ، وكثرة المراجعة ، وأيس من فلاحهم ، دعا الله تعالى عليهم فقال : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ)[الأعراف : ٨٩] فأجاب الله تعالى دعاءه ، وأهلكهم بالرّجفة ، وهي الزلزلة ، فأصبحوا في دارهم جاثمين هلكى ، وأهلك أصحاب (الأيكة) بعذاب الظلة.
قال السمعاني في (الأنساب) : قبر شعيب عليهالسلام في (حطين) ، وهي قرية بساحل (الشام) قاله النووي ؛ وهذا الذي قاله السمعاني مشهور معروف عند أهل بلادنا ، وعلى قبره بناء ، وعليه وقف ويقصده النّاس من المواضع البعيدة للزيارة والتبرك ؛ وبالله التوفيق. ينظر : تهذيب الأسماء (١ / ٢٤٦).