وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً).
قيل : الوقر : هو الثقل في السمع (١) ، يقال : وقرت أذنه ، توقر وقرا ، فهي موقورة ، وأما الوقر فهو [الكفر في قلوبهم](٢).
__________________
ـ فالماتريدية يرون أن للعبد اختيارا في أفعاله والتي يترتب عليها المدح والذم في العاجلة والثواب والعقاب في الآجلة ، ولم يمنعوا أن تضاف الأفعال إلى الله تعالى ؛ لأنه هو الذي وصف نفسه بهذه الصفة على الحقيقة وما عداه مخلوق.
أدلة الماتريدية : استدل الماتريدية على صحة مذهبهم بأدلة نقلية وعقلية :
أولا : الأدلة النقلية :
استدل الماتريدية من النقل بالكتاب والسنة :
ـ فمن الكتاب قوله ـ تعالى ـ : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)[فصلت : ٤٠].
ـ وقوله ـ تعالى ـ : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)[الحج : ٧٧].
ـ وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ)[الملك : ١٣].
ووجه الدلالة من الآيات أنها تدل على أن أفعال العباد واقعة بقدرة حادثة منها ، وهذه القدرة يخلقها الله تعالى مقارنة للفعل لا سابقة عليه ولا متأخرة عنه.
ثانيا : الأدلة العقلية :
استدل الماتريدية من المعقول ، فقالوا : «إن كل واحد منا يعرف بطريق الضرورة الفرق بين ما هو فيه مختار وله فيه عمل ، وبين ما هو فيه مضطر ، فمن سوى بين الأمرين كالمجبرة فإن بطلان قوله لا يحتاج إلى برهان».
وقالوا : «إن العبد يقدر بإقدار الله له ، فلا يمكن أن يقدر بإقدار من ليست له القدرة عليه كما لا يجوز أن يعلم بإعلام من لا علم له به ، ومعلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه فلا يمكن لأحد أن يقدر غيره على شيء لم يقدر هو عليه.
وقد ثبتت قدرة الله عليه وعلى ما يقدره الله عليه ، فمحال وجود الفعل بغير قدرته مما يدل على أنه تعالى خالق ذلك الفعل ولا خالق سواه.
وخلاصة القول في المسألة أن العبد مسير ومخير ، مسير في الأمور الخارجة عن قدرته ، ومخير فيما هو واقع تحت قدرته.
وأن العبد في الأفعال الاختيارية الواقعة تحت قدرته يوقع الأفعال بإرادة الله ومشيئته ، وأن إرادة الله ومشيئته لا تعني الإجبار ، بل تعني أن فعل العبد لا يتأخر وقوعه ولا يتقدم عن تقدير الله له.
ويعضد هذا القول منهج القرآن الكريم في هذه المسألة ، فهو تارة ينسب الأفعال تحت قدرة العبد ، فيقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ)[البقرة : ١٩٧] ويقول : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)[النساء : ١١٠] وتارة يجعل أفعال العباد خاضعة لمشيئة الله وإرادته ، فيقول ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)[الإنسان : ٣٠] ولا تنافي بين الأمرين. والله أعلم. ينظر المغني للقاضي عبد الجبار (٨ / ١٩٣) ، الأصول الخمسة ص (٣٣٤) ، والملل والنحل (١١٤) ، والفرق بين الفرق (٢١١).
(١) ذكره ابن جرير في تفسيره (٥ / ١٦٩) ، والرازي في تفسيره (١٢ / ١٥٤) ، وعزاه لابن السكيت وابن عادل في اللباب (٨ / ٨٠ ـ ٨١).
(٢) في ب : الحمل.