ويخوفونهم ؛ فعلى هذا التأويل يكون معنى قوله : (مَنْ آمَنَ بِهِ) على وجود الإيمان ،
__________________
ـ عدّا لا ينقطع سهل التناول. يقال : شرع إبله إذا أوردها شريعة الماء فشربت ولم يستق لها. وفي المثل : أهون السقي التشريع ، أي : أسهل السقي الذي لا يحتاج إلى كلفة لإخراج الماء هو التشريع.
قال في لسان العرب : والشّرعة والشريعة في كلام العرب : مشرعة الماء ، وهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون ، وربما شرعوها دوابهم حتى تشرعها وتشرب منها ، والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدّا لا انقطاع له ، ويكون ظاهرا معينا لا يسقى بالرّشا ، وإذا كان من السماء والأمطار فهو الكرع.
وفي اللسان أيضا قال : والشريعة والشراع والمشرعة : المواضع التي ينحدر إلى الماء منها. قال الليث وبها سمي ما شرع الله للعباد : شريعة ، من الصوم والصلاة والحج والنكاح وغيره.
والشرعة ـ بالكسر ـ بمعنى : الشريعة ، كما في الآية الكريمة : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً)[المائدة : ٤٨] والمنهاج في الآية قيل : هو بمعنى الشرعة ، وقيل : الشريعة : ابتداء الطريق ، والمنهاج : الطريق المستمر.
ونقل ابن كثير في تفسير الآية عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً) قال : سبيلا (وَمِنْهاجاً) قال : سنة.
والأقرب : أن الشرعة غير المنهاج كما روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما. فليسا بمعنى واحد ؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه من كل وجه ، والأصل في العطف أن يفيد التغاير. ومن قال : إن معناهما واحد ، قال : اللفظ إذا اختلف أتي به بألفاظ يؤكد بها القصة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمهالله ـ : وقد جاء في الشعر ما ذكر أنه عطف لاختلاف اللفظ فقط ، كقوله :
وألفى قولها كذبا ومينا
ومن الناس من يدعي أن مثل هذا جاء في كتاب الله كما يذكرونه في قوله : (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) ، وغاية ما يذكر الناس اختلاف معنى اللفظ ، كما ادعى بعضهم أن من هذا قوله :
ألا حبذا هند وأرض بها هند |
|
وهند أتى من دونها النأي والبعد |
فزعموا أنهما بمعنى واحد ، واستشهدوا بذلك على ما ادعوه من أن الشرعة هي المنهاج ، فقال المخالفون لهم : النأي أعم من البعد ؛ فإن النأي كلما قل بعده أو أكثر ، كأنه مثل المفارقة ، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته.
و «الشرع» مصدر : شرع يشرع ، على وزن : منع. ومعنى «شرع» في اللغة : سن ، كقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣].
قال الأزهري : معنى «شرع» : بين وأوضح ، مأخوذ من شرع الإهاب.
والشرع كما أنه في الأصل مصدر «شرع» فقد جعل اسما للطريق النّهج البين. قال في المفردات عند كلمة «شرع» : الشرع : نهج الطريق الواضح ، يقال : شرعت له طريقا ، والشرع مصدر ، ثم جعل اسما للطريق النهج فقيل له : يشرع وشرع وشريعة. واستعير ذلك للطريقة الإلهية ، وبهذا يظهر أن الشرع بمعنى الشريعة ، وأن الشريعة تطلق على ما شرع الله لعباده كما مر في بعض كتب اللغة. والله أعلم.
ومعنى الشريعة في الاصطلاح ـ كما عرفها ابن حزم ـ هي ما شرعه الله ـ تعالى ـ على لسان نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في الديانة وعلى ألسنة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ قبله ، والحكم منها للناسخ. ـ