أحدها : أن ذلك منه إخبار عن قومه لا عن نفسه ، أي : افتروا على الله كذبا إن عادوا في ملتكم بعد إذ نجاهم الله منها ، وما يجوز لهم أن يعودوا فيها ، وأما هو فإنما أجابهم عن نفسه بما ذكر في سورة هود : (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ) [هود : ٩٣] ، أجاب هو قومه كما أجاب غيره من الرسل قومهم حين أوعدوهم (١) بالقتل والعقوبة ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثم كيدون فلا تنظرون» ، [وكما قال هود : (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ)](٢) [هود : ٥٤ ـ ٥٥] ونحو ذلك من الجوابات التي كانت من الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ لأقوامهم.
ويحتمل أن يكون على الابتداء من غير أن كان فيها ؛ كقوله : (رَفَعَ السَّماواتِ) [الرعد : ٢] رفعها ابتداء من غير أن كانت موضوعة ، وكقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] إخراج ابتداء لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم.
ويحتمل ما ذكرنا أنه أجابهم على ما عندهم أنه كان على دينهم ، فأجاب لهم على ما عندهم أنه على ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) أي : ما يجوز لنا أن نعود فيها ، وقول شعيب : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) تعريض تسفيه منه إياهم أنكم (٣) قد افتريتم على الله كذبا لا تصريح ؛ حيث لم يقل : قد افتريتم أنتم على الله كذبا ، قال : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) ، وذلك منه تلطف بهم وترقق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).
اختلف في تأويله :
قال الحسن : من حكم الله ـ عزوجل ـ أن من قبل دينه وأطاع رسوله أن يكون وليّا له ، وسمى مؤمنا ، ومن رد دينه وعصى رسوله يتخذه عدوّا له ، ويكون كافرا.
وقال أبو بكر الكيساني : قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) : أن يتعبدنا ، ويمتحننا ببعض ما كانوا يتقربون به.
ويشرع لهم ما يحل ويسع ، لم يرد به الدين [الذي هم](٤) عليه ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأن سؤالهم كان العود إلى ملتهم ، فعلى ذلك خرج الثنيا.
وقال أبو جعفر بن حرب : قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) : إلا أن يأمرنا الله بما يؤيسهم
__________________
(١) في أ : وعدوهم في التوبة (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ) [٦٧].
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : أنهم.
(٤) في ب : مما.