هو ـ والله أعلم ـ مقابل قولهم : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) وجواب لهم يقول : الذين كذبوا شعيبا هم الخاسرون لا الذين اتبعوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا).
قيل (١) : كأن لم يعيشوا فيها ، ولم ينعموا قط.
وقيل (٢) : كأن لم يقيموا فيها.
قال القتبي : يقال : غنينا بمكان كذا وكذا ، أي : أقمنا ، ويقال للمنازل : مغان ، واحدها : مغنى ، ويقال : كأن لم يغنوا فيها ، أي : كأن لم يكونوا فيها قط.
وهو ـ والله أعلم ـ لما كانوا يستقلون نعم الله عليهم ، ويستحقرونها ، حتى قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم ، وقوله : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) [يونس : ٤٥] ونحوه ، وكله إخبار عن قطع آثارهم أنه لم يبق منهم أحد يحزن عليهم أو يبكي عليهم ، حتى قال شعيب : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ).
وجائز أن يكون قول شعيب حيث قال : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) [الأعراف : ٩٣] حين علم أنهم يهلكون ، وينزل بهم العذاب ، أي : لا أحزن عليهم [على] ما ذكر.
وقال بعضهم : هو على التقديم والتأخير ، قال ذلك في الوقت الذي قال : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) يقول : كيف أحزن على قوم وعملهم ما ذكر.
وقوله : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ).
حين رآهم هلكى ، فقال : فكيف آسى على قوم ، أي : كيف أحزن على قوم قد كذبوني ، واختاروا عداوتي ، وصاروا علي أعداء ، فكيف أحزن عليهم بالهلاك ، وهم أعدائي.
وقوله : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ). قد ذكرنا هذا.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٩٥)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٧) (١٤٨٨٠ ، ١٤٨٨١) عن ابن عباس. ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ٧) (١٤٨٨٢) عن ابن زيد. ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.