قيل (١) : كان أهلك بعضهم وترك بعضا حتى عفوا ، أي : كثروا من ذلك البعض ، ولكن الوجه فيه ما ذكرنا من البأساء والضراء والشدائد والقحط ، ثم كشف ذلك عنهم فكثروا ، ثم أهلكهم ، والله أعلم.
قوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ).
قالوا : إن آباءنا قد كان ينزل ذلك بهم وتصيبهم مرة شدة ومرة نعمة ولم يكن ذلك بعقوبة لهم ، فعلى ذلك ما يصيبنا من الشدائد والبلايا ليس ذلك بعقوبة لنا ، ولكن دوران الدهر وتصرفه على الشدّة والبلاء مرة ، ومرة على الخصب والسّعة ، ثم أخبر أنه أخذهم بغتة بعد قولهم : (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ).
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)(٩٩)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا).
قيل : آمنوا واتقوا قبل أن يهلكوا بعد ما أصابهم من الشدائد والبلايا ؛
(لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ ...) الآية.
أي : لأعطوا كل خير ينال من السماء والأرض ، والبركة ما ينال من كل خير على غير ـ مئونة [وقيل :] البركة : كل شيء ينال بلا تبعة عليه ولا شدة ـ ذكر هاهنا أنه يفتح عليهم بركات من السماء والأرض لو آمنوا واتقوا ، وذكر إذا لم يؤمنوا ونسوا ما ذكروا به أنه يفتح عليهم أبواب كل شيء ، ولم يذكر البركة ، ففيما لم يذكر البركة ينقصهم ما فتح عليهم من كل شيء ويسوؤهم وفيما ذكر فيه البركة بعد الإيمان لا يلحقهم من ذلك تبعة ولا غرم ، [والله أعلم](٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يحتمل قوله : ولكن كذبوا النعم التي أنعمها عليهم ، أي : الرسل ، فأخذناهم بما كانوا يكسبون من التكذيب ، والله أعلم.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٩) عن كلّ من : ابن عباس (١٤٨٩٢ ، ١٤٨٩٣ ، ١٤٨٩٨) ، مجاهد (١٤٨٩٤ ، ١٤٨٩٥) ، السدي (١٤٨٩٦) ، الضحاك (١٤٨٩٩) ، ابن زيد (١٤٩٠١) ، إبراهيم (١٤٨٩٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩٢) وعزاه لابن المنذر عن ابن عباس ، ولابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٢) سقط في ب.