وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ).
خرج هذا في الظاهر مخرج الاستفهام ، ولكن في الحقيقة على الإيجاب ؛ كقوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ ...) [النور : ٥٠] الآية ، هذا في الظاهر وإن خرج مخرج الشك والارتياب ، فهو في الحقيقة على الإيجاب ؛ كأنه قال : في قلوبهم مرض وارتابوا وخافوا أن يحيف الله عليهم ، فعلى ذلك قوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) [أو أمن أهل القرى](١) على الإيجاب ، كأنه قال : قد أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا ، (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) الآية.
ثم اختلف في قوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) إلى آخر ما ذكر :
قال الحسن : هذه الآيات في الأمم السالفة ، أخبر عن أمنهم بنزول بأس الله وعذابه بهم ، لكن ذكر في هذه الأمة ليكونوا على حذر عن مثل صنيعهم.
وقال الآخرون : هذه الآيات في قرى (٢) هذه الأمة لا في الأمم السالفة ، يقول : أمن هؤلاء بأسنا كما أمن أولئك منه فإنهم إذا صنعوا مثل صنيعهم ينزل بهم في الآخرة من العذاب مثل ما أنزل بأولئك في الدنيا من العذاب.
وقوله : (بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) و (ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ)
أخبر أن العذاب إنما نزل بهم في حال الأمن وهو وقت النوم واللعب ؛ لأنه هو وقت الغفلة والسهو ، وآمن ما يكون الإنسان إنما يكون في حال النوم ، وإنما نزل بهم في وقت الغفلة والسهو ، يذكر بهذا ـ والله أعلم ـ أهل مكة وغيرهم من الكفرة بتكذيبهم رسول الله ؛ لئلا يكونوا آمنين عن بأس أبدا في وقت من الأوقات ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).
المكر في الشاهد : هو أن يراقب من عدوه حال غفلة لينتقم منه وينتصر ، فإذا كان ما ذكرنا فسمّى ما ينزل بهم من العذاب في حال الغفلة مكرا ، وعلى ذلك الامتحان فيما بين الخلق : هو استظهار ما خفي على بعضهم من بعض ، فيأمرون بذلك وينهون ، فسمى الله ـ تعالى ـ ذلك امتحانا لمعنى الأمر والنهي ، وإن كانت الخفيات عن الخلق ظاهرة له بادية عنده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).
فالآية على المعتزلة ؛ لأنهم يأمنون مكر الله في الصغائر [حيث قالوا : الصغائر](٣)
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : قوى.
(٣) سقط في أ.