ثم يحتمل قوله : لم يهد لهم أولم يتفكروا بما أهلك الأولين وما حل بهم بتكذيبهم الرسل أنهم كانوا إذا تركوا التفكر والنظر فيهم وما نزل بهم لم يهد لهم.
والثاني : قد هداهم لكن نفى ذلك عنهم لما لم ينتفعوا به ، وهو ما نفي عنهم من السمع والبصر والعقل لما لم ينتفعوا به.
ويحتمل على غير إسقاط [أو] كأنه قال : أو لم يهد للذين يرثون الأرض ، أو لم يهدهم الرسول قدرة الله في إهلاك الأمم الخالية ، فعلى ذلك هو قادر على إهلاك الذين يرثون الأرض من بعد أهلها يحتمل هذه الوجوه التي ذكرنا ، والله أعلم.
أو يقول : أو لم يهد لهم وراثة الأرض من بعد هلاك أهلها أنهم بما أهلكوا حتى يرتدعوا ويمتنعوا عن مثله.
وقوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ) يخرج على وجهين :
أحدهما : قد هداهم وبين لهم أن من تقدمهم ، إنما هلكوا بما أصابوا من ذنوبهم من التكذيب والعناد ، لكن لم يهتدوا لعنادهم.
والثاني : لم يهدهم لما لم يتفكروا فيها ، ولم ينظروا ، على التلاوة قرئت بإسقاط [الواو](١).
وقوله : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ).
فإن كانت في الأمم السالفة ، فقوله : أن لو نشاء أصبنا قوما بعد قوم بذنوبهم.
وإن كانت في المتأخرين فيكون قوله : أن لو نشاء أصبنا هؤلاء بذنوبهم على ما أصاب أولئك بذنوبهم ، ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ، والطبع يحتمل الختم ، أي ونختم (٢) على قلوبهم ، ويحتمل الطبع ظلمة الكفر ، أي : ستر قلوبهم بظلمة الكفر ؛ كقولهم : وكل شيء ستر شيئا وتغشاه فهو طبع.
(فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) يحتمل وجهين :
يحتمل لا يسمعون لما لا ينتفعون به.
ويحتمل : لا يسمعون ، أي : لا يجيبون ؛ كقوله : سمع الله لمن حمده (٣) ، قيل :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : ختم.
(٣) لفظه خبر ، ومعناه : الدعاء بالاستجابة. قال الخطابي : معنى «سمع» : استجاب ، قال : قد يحتمل أن يكون دعاء من الإمام للمأمومين ؛ لأنهم يقولون : ربنا لك الحمد. وعلى مذهب أكثر العلماء في جمع الإمام والمأموم بين كلمتين ، فتشيع الدعوة من كلا الطائفتين لنفسه ولأصحابه.
ينظر المطلع على أبواب المقنع ص (٧٦).