والثاني : العهد الذي أخذ الله عليهم على ألسن الرسل ؛ كقوله : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ...) [المائدة : ١٢] الآية ، فلم يوفوا بذلك.
والثالث : ما أعطوا هم من أنفسهم من العهد ؛ كقول فرعون لموسى : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٤٩] ، فلم يوفوا بما أعطوا هم من العهود.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ).
[أي](١) وقد وجدنا أكثرهم فاسقين بنقض العهد ، والله أعلم.
قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ)(١٠٧)
(وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ)(١١٢)
قوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى).
يحتمل قوله : ثم بعثنا من بعد هلاك قرون كثيرة موسى رسولا بآياتنا إلى فرعون وملئه ، يحتمل قوله : (بِآياتِنا) ، حججنا ، ثم يحتمل حجج وحدانية الله وألوهيته ، ويحتمل آيات رسالته ونبوته ، وعلى قول الحسن : بآياتنا : ديننا ، وعلى ذلك يتناول جميع الآيات التي ذكرت في القرآن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ).
إن موسى كان مبعوثا إليهم جميعا إلى فرعون والملأ والأتباع جميعا ، لا أنه كان مبعوثا إلى فرعون وملئه خاصة دون الأتباع ، وكذلك ذكر في مكان آخر إلى فرعون خاصّة (٢) ، وهو بعث إليهم جميعا ، لكن يخرج تخصيص ذكر (٣) هؤلاء القادة ـ والله أعلم ـ لما أن
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) كما في قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [طه : ٢٤] ، (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦].
(٣) في أ : ما ذكر.