يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) [المائدة : ١١٦] ، لما قال له : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله كان ذلك القول من عيسى [بعد](١) ما ادعى قومه على عيسى أنه قال لهم ذلك ، وكذلك قول الملائكة : (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ : ٤١] بعد ما قال لهم : (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] ، فعند ذلك قالوا : (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ : ٤١] ، خرج ذلك القول منهم جواب ما تقدم ، فعلى ذلك قول موسى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، خرج على تقدم قول كان منهم ، والله أعلم.
ومن قرأ (٢) : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) فتأويله : محقوق : على ألا أقول على الله إلا الحق ، ومن قرأ بتشديد علىّ (٣) فتأويله : حق علىّ ألا أقول على الله إلا الحق (٤).
__________________
ـ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] وأم عيسى ـ عليهاالسلام ـ مريم ابنة عمران من سلالة داود عليهمالسلام ، وعيسى آخر أنبياء بني إسرائيل ، وليس بينه وبين نبي الإسلام ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أحد من الأنبياء كما ثبت عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «أنا أولى الناس بابن مريم ، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي» ، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أنا أولى الناس بعيسى ـ عليهالسلام ـ والأنبياء إخوة أولاد علات ، وليس بيني وبين عيسى نبي».
ينظر رسالة الشرائع السابقة ومدى حجيتها في الشريعة الإسلامية ص (٧٠).
(١) سقط في أ.
(٢) القراءة الأولى هي قراءة العامة «على أن» ب «على» التى هي حرف جر داخلة على «أن» وما في حيزها ، وأما قراءة التشديد فهي قراءة نافع والحسن. ينظر : إتحاف الفضلاء (٢٢٧) ، البحر المحيط (٤ / ٣٥٥) ، التبيان للطوسي (٤ / ٥٢٠) ، تفسير الطبري (١٣ / ١٤) ، النشر لابن الجرزي (٢ / ٢٧٠).
(٣) وهي قراءة نافع والحسن كما في المصادر السابقة.
(٤) قراءة نافع فيها وجوه :
أحدها : أن يكون الكلام قد تم عند قوله : (حقيق) ، و (على) خبر مقدم ، (ألا أقول) مبتدأ مؤخر ، كأنه قيل : على عدم قول غير الحق ، أي : فلا أقول إلا الحق.
الثاني : أن يكون (حقيق) خبرا مقدما ، و (ألا أقول) مبتدأ على ما تقدم بيانه.
الثالث : (ألا أقول) فاعل ب (حقيق) كأنه قيل : يحق ويجب ألا أقول ، وهذا أغرب الوجوه ، لوضوحه لفظا ومعنى ، وعلى الوجهين الأخيرين تتعلق (على) ب (حقيق) ؛ لأنك تقول : (حق عليه كذا) قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ)[الأحقاف : ١٨]. وعلى الوجه الأول يتعلق بمحذوف على ما تقرر.
وأما رفع (حقيق) فقد تقدم أنه يجوز أن يكون خبرا مقدما ، ويجوز أن يكون صفة ل (رسول) ، وعلى هذا فيضعف أن يكون (من رب) صفة ؛ لئلا يلزم تقديم الصفة غير الصريحة [على الصريحة] ، فينبغي أن يكون متعلقا بنفس (رسول) ، وتكون (من) لابتداء الغاية مجازا.
ويجوز : أن يكون خبرا ثانيا. ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر على قراءة من شدد الياء ، وسوغ الابتداء بالنكرة حينئذ تعلق الجار بها. ـ