وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).
وقال في آية أخرى : (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الشعراء : ٣٤] ، يحتمل أن يكون فرعون قال للملإ : إن هذا كذا ، ثم قال الملأ لقومه : إن هذا لساحر عليم ، أراد ـ والله أعلم ـ تلبيس ما أتى به موسى من الآية على قومه ، وأراد بقوله : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) [الشعراء : ٣٥] إغراء قومه عليه.
والسحر عندنا (١) هو من آيات الرسالة ولو كان ما أتى [به](٢) موسى سحرا كان ذلك
__________________
(١) السحر ـ بالكسر وسكون الحاء المهملة ـ هو فعل يخفى سببه ويوهم قلب الشيء عن حقيقته ، كذا قال ابن مسعود.
وفي «كشف الكشاف» : السحر في أصل اللغة الصرف ، حكاه الأزهري عن الفرّاء ويونس ، وقال : وسمّى السحر سحرا ؛ لأنه صرف الشيء عن جهته ، فكأن الساحر لما أرى الباطل حقّا ، أي : في صورة الحق ، وخيل الشيء على غير حقيقته ـ فقد سحر الشيء عن وجهه ، أي صرفه.
وذكر عن الليث أنه عمل يتقرب به إلى الشيطان ومعونة منه ، وكل ذلك الأمر كينونة السحر ، فلم يصل إلىّ تعريف يعوّل عليه في كتب الفقه.
والمشهور عند الحكماء منه غير المعروف في الشرع ، والأقرب أنه الإتيان بخارق عند مزاولة قول أو فعل محرم في الشرع ، أجرى الله سبحانه سنته بحصوله عنده ابتداء ، فإن كان كفرا في نفسه كعبادة الكواكب ، أو انضم معه اعتقاد تأثير من غيره تعالى كفّر صاحبه ، وإلا فسّق وبدّع.
نقل في الروضة عن كتاب الإرشاد لإمام الحرمين : أن السحر لا يظهر إلا على فاسق ، كما أن الكرامة لا تظهر إلا على متّق ، وليس له دليل من العقل إلا إجماع الأمة ، وعلى هذا تعلمه حرام مطلقا وهو الصحيح عند أصحابنا ؛ لأنه توسل إلى محظور عنه للغنى. انتهى.
وفي البيضاوي في تفسير قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)[البقرة : ١٠٢] المقصود بالسحر : ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان ، مما لا يستقل به الإنسان ، وذلك لا يحصل إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس ، فإن التناسب شرط في النظام والتعاون ، وبهذا يميز الساحر عن النبي والولي.
وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والأدوية ، أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم ، وتسميته سحرا على التجوز ، أو لما فيه من الدقة ؛ لأن السحر في الأصل موضوع لما خفي سببه ، انتهى.
وفي الفتاوى الحمادية : السحر نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم ، فيتخذ من تلك الجواهر هيكل مخصوص على صورة الشخص المسحور ويترصد له في وقت مخصوص في المطالع ، وتقرن به كلمات يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ، ويتوصل في تسميتها إلى الاستعانة بالشياطين ، وتحصل من مجموع ذلك ـ بحكم إجراء الله العادة ـ أحوال غريبة في الشخص المسحور. انتهى.
وكونه معدودا من الخوارق مختلف فيه.
وقال الحكماء : السحر مزج قوى الجواهر الأرضية بعضها ببعض.
قال الإمام فخر الدين الرازي في «التفسير الكبير» : اعلم أن السحر على أقسام :
القسم الأول : سحر الكلدانيين والكسدائين الذين كانوا في قديم الدهر ، وهم قوم يعبدون الكواكب ، ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة ـ