__________________
ـ والنحوسة ، وهم الذين بعث الله تعالى عليهم إبراهيم عليهالسلام مبطلا لمقالتهم ، ورادّا عليهم في مذاهبهم وعقائدهم.
والقسم الثاني من السحر : سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية ، قالوا اختلف الناس في الإنسان ، فأما إذا قلنا بأن الإنسان هو هذه البنية فلا شك أن هذه البنية مركبة من الأخلاط الأربعة ، فلم لا يجوز أن يتفق مزاج من الأمزجة يقتضي القدرة على خلق الجسم والعلم بالأمور الغائبة عنا. وأما إذا قلنا : إن الإنسان هو النفس ، فلم لا يجوز أن يقال : إن النفوس مختلفة ، فيتفق في بعض النفوس أن تكون قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغريبة.
ثم الذي يؤكد هذا الاحتمال وجوه :
الأول : أن الجذع يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض ولا يمكنه لو كان كالجسر موضوعا على هاوية تحته ، وما ذاك إلا أن يخيل السقوط ، ومتى قوي أوجب السقوط.
الثاني : أنه أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر ، والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران ، وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت على الأوهام.
الثالث : حكى عن أرسطو أن الدجاجة إذا تشببت وبلغت واشتاقت إلى الديك ولم تجده ، فتصورت الديك وتخيلته ، وتشبهت بالديك في الصوت والجوارح ـ نبت على ساقها مثل الشيء النابت على ساق الديك ، وارتفع على رأسها مثل تاج الديك ، وليس هذا إلا بسبب كثرة التوهم والتخيل ، وهذا يدل على أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية.
الرابع : أجمعت الأمم على أن الدعاء مظنة الإجابة ، وأجمعوا على أن الدعاء اللساني الخالي من الطلب النفساني قليل العمل عديم الأثر ؛ فدل ذلك على أن للهمم والنفوس آثارا ، وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة وبحكمة مخصوصة.
الخامس : أن المبادئ القوية للأفعال النفسانية ليست إلا التصورات النفسانية ؛ لأن القوة المحركة مودعة في العضلات ، صالحة للفعل وتركه ، ولأن يرجح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجح ، وما ذاك إلا تصور كون الفعل لذيذا أو قبيحا ، أو مؤلما بعد أن كانت كذلك بالقوة ، فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العقلية ، مبادئ بالفعل لوجود الأفعال بعد أن كانت بالقوة ، وإذا كانت هذه التصورات هي مبادئ لمبادئ هذه الأفعال ، فأي استبعاد في كونها مبادئ هذه الأفعال لنفسها وإلغاء الواسطة عن درجة الاعتبار؟!
والسادس : أن التجربة والعيان لشاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان ، فإن الغضبان تشتد سخونة مزاجه عند هيجان كيفية الغضب ، لا سيما عند إرادة الانتقام من المغضوب عليه ، وإذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحوادث في خارج البدن.
السابع : أن الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليه العقلاء ، ونطقت به الأحاديث والحكايات ، وذلك أيضا يحقق إمكان ما قلنا.
وإذا عرفت هذا فنقول : إن النفوس التي تفعل هذه الأفعال قد تكون قوية جدّا فتستغنى في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات والأدوات ، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات ، وتحقيقه أن النفس إن كانت مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السموات كانت كأنها روح من الأرواح السماوية ؛ فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم.
وأما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا البدن ، فإذا أراد الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير ووضعه عند الحس واشتغل الحس به ، فتبعه الخيال عليه وأقبلت النفس الناطقة عليه ، ـ