ونبوته لا السحر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ).
كان موسى لا يريد أن يخرجهم من أرضهم ، ولكن ـ والله أعلم ـ كأنه قال فرعون لقومه : لو اتبعتم موسى وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه لأخرجتكم [من أرضكم](١) لكن أضاف ذلك إلى موسى لما كان هو سبب إخراجهم ، والله أعلم.
أو يقول : يريد أن يذهب بعيشكم الطيب وراحتكم وتلذذكم بأنواع التلذذ ؛ لأنهم كانوا يستعبدون بني إسرائيل ، ويستخدمونهم ، ويستريحون هم وينعمون ، فيقول للقبط (٢) : يريد أن يذهب بذلك كله عنكم.
وجائز أن يكون موسى لم يكن يريد أن يخرجهم من أرضهم ، ولكن يريد أن يخرجهم من دينهم الذي كانوا عليه ، ولكنه كان يغري قومه عليه.
وقوله : (فَما ذا تَأْمُرُونَ).
دل هذا القول من فرعون أنه كان يعرف أنه ليس بإله ولا رب ؛ لأنه لو كان ما يقول : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] لكان لا يطلب من قومه الأمر والإشارة في ذلك ، دل ذلك أنه كان يعرف عجزه وضعفه ؛ لكنه يكابر ويلبس على قومه ويموه بقوله : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).
وقوله : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) هذا الحرف حرف إغراء وتحريش عليه ، وقوله : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) هو حرف تقريب حيث جعل إليهم الأمر والإشارة ، وجعلهم من أهل مشورته.
وقوله : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ).
هذا الحرف لا يقال ابتداء إلا أن يكون هنالك تقدم شيء ، فكأنه هم بقتله ؛ كقوله : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) [غافر : ٢٦] فقالوا له : (أَرْجِهْ) ، أي : أخره واحبسه ولا تقتله ليتبين (٣) سحره عند الخلق جميعا ، كانوا يمنعون فرعون عن قتله.
ألا ترى أنه قال : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) [غافر : ٢٦] لو لم يكن منهم منع (٤) عن قتله لم يكن ليقول لهم : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) [غافر : ٢٦].
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) كلمة يونانية الأصل بمعنى : سكان مصر ، ويقصد بهم اليوم : المسيحيون من المصريين ، وتجمع على : أقباط. ينظر المعجم الوسيط (٢ / ٧١١).
(٣) في أ : لتبين.
(٤) في ب : معهم.