وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فيه أن موسى كان لا (١) يلقي عصاه إلا بعد الأمر بالإلقاء ، وكذلك قوله : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) [البقرة : ٦٠] و (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] ونحوه ، كان لا يضرب بالعصا ، ولا يلقي إلا بعد الأمر بالإلقاء والضرب ؛ ليعلم أن في ذلك امتحانا لموسى فيما يؤمر بالإلقاء على الأرض لتصير حية ، وفيما يأمره بالضرب بها الحجر والبحر ، ولله أن يمتحن عبده بما شاء من أنواع المحن ، وإلا كان قادرا أن يفلق البحر على غير الأمر بالضرب بالعصا ، وكذلك يفجر الحجر ، ويشقه على غير ضرب بالعصا ، وكذلك يصير (٢) العصا حيّة وهي في يده ، ولكن (٣) أمره بذلك كله ـ والله أعلم ـ امتحانا منه إياه وابتلاء ، إذ (٤) هي دار محنة وابتلاء ؛ إذ (٥) في زمن موسى كان السحر هو الظاهر ، وكان الناس وقتئذ يعملون بالسحر ، فجاء موسى من الآيات على رسالته بنوع ما كانوا يعملون به ، ومن جنس ذلك ؛ ليعرفوا بخروجه عن وسعهم أن ذلك [ليس بسحر](٦) ، ولكن آية سماوية ، وكذلك ما جاء عيسى من الآيات جاء بنوع ما كان يعمله قومه ، وهو الطب (٧) ، فجاء بنوع الطب ليعلموا أنه بالله عرف ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).
قال القتبى : تلقف : تلتقم وتلقم ، اشتقاقه من اللقم والابتلاع.
__________________
(١) في أ : لما.
(٢) في أ : تصيير.
(٣) في ب : ولكنه.
(٤) في أ : أو.
(٥) في ب : إن.
(٦) في أ : بسحرهم.
(٧) هو علم يبحث فيه عن بدن الإنسان من جهة ما يصح ويمرض لحفظ الصحة وإزالة المرض.
قال جالينوس : الطب حفظ الصحة وإزالة العلة.
وموضوعه : بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض.
ومنفعته لا تخفى ، وكفى بهذا العلم شرفا وفخرا أقوال الإمام الشافعي : العلم علمان : علم الطب للأبدان ، وعلم الفقه للأديان.
ويروى عن علي ـ كرم الله وجهه ـ : العلوم خمسة : الفقه للأديان ، والطب للأبدان ، والهندسة للبنيان ، والنحو للسان ، والنجوم للزمان. ذكره في مدينة العلوم.
قال في كشاف اصطلاحات الفنون : وموضوع الطب بدن الإنسان وما يشتمل عليه من الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء والقوى والأرواح والأفعال ، وأحواله من الصحة والمرض ، وأسبابهما من المأكل والمشرب والأهوية المحيطة بالأبدان والحركات والسكنات والاستفراغات والاحتقانات والصناعات والعادات والواردات الغريبة ، والعلامات الدالة على أحواله من ضرر أفعاله وحالات بدنه وما يبرز منه ، والتدبير بالمطاعم والمشارب واختيار الهواء وتقدير الحركة ـ