والثاني : أن البشر جبلوا على حبّ السماع للأخبار (١) والأحاديث ، وحبب ذلك في قلوبهم حتى إن واحدا منهم يولد أحاديث وينشئها من ذات نفسه لأن يستمعوا في ذلك إليه ويسمعوا منه ، فذكر لهم هذه الأنباء والقصص ليكون استماعهم إليها وسماعهم لها ، وذلك أحسن وأوفق إذ أخبر أن ذلك أحسن القصص ؛ بقوله (٢) : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣].
والثالث : ذكر لهم هذا ليعلموا ما حل بهم في العاقبة من الهلاك والاستئصال ، وأنواع العذاب لفسادهم (٣) وتكذيبهم الرسل ، وما عاقبة المفسد منهم والمصلح ؛ ليكون ذلك زجرا لهم عن صنيع مثلهم.
والرابع : ذكر ذلك ليعرفوا كيف كانت معاملة الأنبياء والرسل أعداءهم ، ومعاملة الأعداء الرسل ليعاملوا أعداءهم مثل معاملتهم.
والخامس : أنهم كانوا ينكرون أن يكون من البشر رسول ، فأخبر أن الرسل الذين كانوا من قبل كانوا كلهم من البشر.
والسادس : أنهم كانوا يعبدون هذه الأصنام والأوثان ، ويقولون : بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ، (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] ، فأخبر أن كان في آبائهم السعداء ، وهم الأنبياء والأشقياء ، فكيف اقتديتم أنتم بالأشقياء منهم؟ :! وهلا اتبعتم السعداء دون الأشقياء!
والسابع : فيها أن كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عرفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن يأمر به ، ومن ينهي عنه.
وأيضا إن فيه ذكر الصالحين منهم بعد ما ماتوا وانقرضوا فكانوا (٤) بالذكر كالأحياء.
وقوله (٥) ـ عزوجل ـ : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا).
يحتمل قوله : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) : على أداء طاعته ، وبما يتقربون (٦) إلى الله تعالى ويكون لهم زلفى لديه (٧).
__________________
(١) في أ : إلى الأخبار.
(٢) في أ : لقوله.
(٣) في أ : بفسادهم.
(٤) في ب : فصاروا.
(٥) في ب : قوله.
(٦) في أ : تتقربون.
(٧) في أ : بين يديه.