أو [إن أنزل آية](١) على أثر سؤال ، فلم يقبلوها ، ولم يؤمنوا بها ؛ أهلكهم على ما ذكرنا من سنته في الأولين ، لكنه وعد إبقاء هذه الأمة إلى يوم القيامة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) : يشبه أن يكون هذا صلة قوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) [٣٧] ؛ لأنه ذكر «دابة» ، والدابة : كل ما يدب على وجه الأرض من ذي الروح ، وذكر الطائر ، وهو : اسم كل ما يطير في الهواء. لما كان قادرا على خلق هذه الجواهر المختلفة ، وسوق رزق كل منهم إليهم ، [فهو قادر] على أن ينزل آية ؛ [ولو أنزل آية] لاضطروا جميعا إلى القبول لها والإقرار بها ، ولكنه لا ينزل لما ليست لهم الحاجة إليها ، والآيات لا تنزل إلا عند وقوع الحاجة بهم إليها ، وعلى هذا يخرج [مخرج](٢) قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٣٧].
[و] من الناس من استدل بهذه الآية على أن البهائم والطير ممتحنات ؛ حيث قال : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) ، ثم قال : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤].
ثم اختلف في قوله تعالى : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال في قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) : أي : إلا سيحشرون يوم القيامة [كما تحشرون](٣) ، ثم يقتص البهائم بعضها من بعض ، ثم يقال لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] ؛ كالبهائم (٤).
وعن ابن عباس قال (٥) : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) ؛ أي : يفقه بعضها من بعض كما يفقه بعضكم من بعض ، وأمم أمثالكم في معرفة ما يؤتى ويتقى.
ويحتمل : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) في الكثرة ، والعدد ، والخلق ، والصنوف تعرف بالأسامي
__________________
ـ وزعم الكوفيون أن (أن) هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل ، والصواب قول البصريين : إنها أن الناصبة أهملت حملا على (ما) أختها المصدرية.
انظر مغني اللبيب (١ / ٣٨).
(١) في ب : إذا أنزل عليه آية.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ١٨٧) (١٣٢٢٥) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٠ ـ ٢١) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه.
(٥) قال الرازي في تفسيره (١٢ / ١٧٦) : المراد إلا أمم أمثالكم في كونها أمما وجماعات وفي كونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا ويأنس بعضها ببعض ويتوالد بعضها من بعض كالإنس.