ثم اختلف فيه : قال بعضهم أي : يقضي بالحق وكذلك روي في حرف ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ (يَقْضِي بِالْحَقِ) وقيل فيه إضمار ، أي : يقضي ويحكم وحكمه الحق.
(يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي : القاضين والفصل والقضاء واحد ؛ لأنه بالقضاء يفصل والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) لأهلكتكم.
وقيل : (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ، أي : لعجلته لكم بالقضاء [فيما بيننا ، يخبر](١) عن رحمة الله وحلمه ، أي : لو كان بيدي لأرسلته (٢) عليكم ، لكن الله بفضله ورحمته يؤخر ذلك عنكم.
ثم فيه نقض على المعتزلة في قولهم بأن الله لا يفعل بالعبد إلا الأصلح في الدين ؛ لأنه قال : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ، ثم لا يحتمل أن تأخير العذاب والهلاك خير لهم وأصلح ، ثم هو يهلكهم ويكون عظة لغيرهم وزجرا لهم ، ثم إن الله ـ تعالى ـ أخر ذلك العذاب عنهم وإن كان فيه شر لهم ؛ فدل أن الله قد يفعل بالعبد ما ليس ذلك بأصلح له في الدين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ).
أي : عليم بمن الظالم منا؟ وهم كانوا ظلمة.
قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ)(٦٢)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ).
هذا ـ والله أعلم ـ يحتمل أن يكون صلة قوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا
__________________
(١) في ب : وما بيننا الخبر.
(٢) في أ : لأرسلت.