رَسُولا رَبِّكَ) [طه : ٤٧] ، وقوله : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) [القصص : ٣٤] فإذا كان هو رسولا كموسى في تبليغ الرسالة ، كيف احتاج إلى أن يقول موسى : اخلفني في قومي وهما ـ شرعا ـ سواء في الرسالة؟
قيل : يحتمل هذا وجهين :
[يحتمل](١) أن يكونا كما ذكر رسولين ، لكن من ولى اثنين أمرا لم يكن لواحد منهما أن ينفرد به إلا بأمر الآخر ، فعلى هذا كأنه قال له : اخلفني في الحكم بينهم ، وأصلح ذات بينهم ، ولا تتبع من دعاك إلى سبيل المفسدين.
أو يحتمل أن يكون موسى كان هو الرسول أولا وكان إليه الحكم ، وهارون كان دخيلا في أمره ردءا له على ما قال : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) [القصص : ٣٤] ولأن موسى كان هو المأمور بها أولا والمبعوث إليهم دونه.
ألا ترى أنه كان هو المناجي ربه دون هارون ، وكان هو المعطي الألواح دون هارون ؛ كقوله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٤٥] ، وهو الذي قال : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) [طه : ١٠] ، وهو الذي نودي بالبركة دون هارون ، وغير ذلك من الآيات ، فإذا كان كذلك استخلفه موسى في قومه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا). أي : لميعادنا الذي وعدناه.
(وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ).
لا يجوز لنا أن نصف كيفية الكلام وماهيته (٢) ، سوى أنه أنشأ كلاما وصوتا أسمعه موسى كيف شاء بما شاء بكلام مخلوق وصوت مخلوق.
(قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ...) الآية [البقرة : ٥٥].
قال قائلون : إن موسى لم يسأل ربّه الرؤية لنفسه ، ولكن سأل لقومه لسؤال القوم له ؛ كقوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥] ، لكن هذا بعيد ؛ لأنه لو كان سؤاله إياه لسؤال قومه ، لكان لا يقول : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، ولكن يقول : أرهم ينظرون إليك ، فدل أنه لم يكن لذلك.
وقال قائلون : لم يكن سؤال ربه رؤية الرب ، ولكن سأل ربه رؤية الآيات والأعلام والأدلة التي بها يرى ، وذلك جائز سؤال الرؤية : سؤال رؤية الآيات والأعلام ، وذلك أيضا بعيد ؛ لأنه قد أعطاه من الآيات والأعلام ما لم يكن له الحاجة إلى غيرها من الآيات ؛ من
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : مائيته.