أن جزاء الآخرة كله إفضال وإحسان وإنعام لا استحقاق واستيجاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ).
قيل (١) : الحميم : [هو](٢) الشراب الذي انتهى حره غايته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) ذكر في الشمس الضياء وفي القمر النور فهو ـ والله أعلم ـ لأن الليل مظلم يظهر نور القمر فيه ويغلب على ظلمة الليل ويقهرها ، وأما النهار فهو مبصر على ما ذكر ـ عزوجل ـ : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] جعل فيه النور ، فلو جعل الشمس في النور خاصة ، لكان لا يظهر نور الشمس ولا غلب نورها على نور النهار (٣) ، ويغلبه ويقهره ليظهر المنافع التي [جعل فيها ولو كان نورا مثله لم يظهر نور هذا من هذا ولم يوصل إلى المنافع التى](٤) جعلت فيها للخلق ، وهو ما ذكر أنه مد الظل ، وأخبر أنه لو شاء لجعله ساكنا ولو كان ساكنا ممتدّا على ما جعل بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] لكان لا يعرف الظل ، ثم أخبر أنه جعل الشمس دليلا عليه ليعرف بها الظل ، فتنسخ الشمس ذلك [الظل] الممدود شيئا بعد شيء ، فصارت الشمس بها يعرف الظل وبها يظهر فضل ذلك الضياء الذي في الشمس كان به يعرف نورها من نور النهار وبه يوصل إلى منافع الشمس ، ولو كان نورا لكان لا يعرف ولا يظهر ؛ إذ لا يغلب أحدهما صاحبه ـ والله أعلم ـ ولا يعرف آية الشمس من آية النهار ، ثم جعل آية الشمس غالبة على جميع الآيات حتى لا تبصر النجوم بالنهار أصلا والقمر وإن كان نوره يرى بجلاء (٥) ، فإن نور الشمس قد يغلبه ويقهره حتى لا يظهر أبدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ).
يشبه أن يكون التقدير الذي ذكر لهما جميعا ويعرف الحساب وعدد السنين لهما جميعا ، وكذلك ذكر في حرف حفصة : وقدرهما منازل ، وجائز أن يكون جعل الشمس بالذي يعرف بها أوقات الصلوات والأزمنة من الشتاء والصيف لا يعرف ذلك بالقمر ، وجعل في القمر معرفة الشهور والسنين ، وفي الشمس معرفة أوقات الصلوات
__________________
(١) انظر تفسير ابن جرير (٦ / ٥٣١) والبغوي (٢ / ٣٤٤).
(٢) سقط في أ.
(٣) زاد في أ : فكانت تذهب المنافع التي جعل فيها للخلق ، وجعل عزوجل بلطفه فيها ليظهر نورها على نور النهار.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٥) في أ : بحال.