معلوم (١) وهو البعث ، ذكر (أُمَّةٍ) ـ والله أعلم ـ لأنه وقت [به ينقضي](٢) آجال الأمم جميعا.
(لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أي : كانوا يقولون : ما يحبس عنا العذاب الذي يعدنا لم تزل عادتهم استعجال العذاب استهزاء بهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) : ذلك العذاب ؛ إذا جاء لا يملك أحد صرفه عنهم ؛ كقوله : (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [الشورى : ٨] ، وقوله : (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) [الرعد : ٣٤] ونحوه.
وقوله : (وَحاقَ بِهِمْ) : قيل : نزل بهم (٣) ، وقيل : لحق بهم ما كانوا به يستهزءون جزاء استهزائهم بالرسول والكتاب.
وقوله : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) أي : لا يصرف عنهم بشفاعة من طمعوا بشفاعته ؛ كقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا) [مريم : ٨١ ، ٨٢] أي : لا يكون ردّا على ما طمعوا ورجوا لعبادتهم.
وقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) [يس : ٧٤] ونحو ذلك ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن تشفع لهم.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)(١١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) قيل : سعة في المال ونعمة.
(ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) إياسه ذهاب ذلك المال عنه ونزعه منه عن العود ذلك إليه ويقنطه ، والإياس قد يكون كفرا (٤) ؛ كقوله : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٨) (١٨٠٠٦ و ١٨٠٠٧ و ١٨٠١٤) عن ابن عباس ، (١٨٠٠٨) عن قتادة ، (١٨٠٠٩) عن الضحاك.
(٢) في ب : ينقضي به.
(٣) ذكره ابن جرير (٧ / ٩) ، والبغوي (٢ / ٣٧٥).
(٤) أي أنه حال زوال تلك النعمة يصير يئوسا ؛ لأن الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي ، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى ، فلا جرم يستبعد تلك النعمة ؛ فيقع في اليأس. وأما المسلم ، فيعتقد أن تلك النعمة إنما حصلت من فضل الله وإحسانه ؛ فلا ييئس ، بل يقول : لعله يؤخرها إلى ما هو أحسن وأكمل مما كانت. وأما أن الإنسان يكون كفورا حال تلك النعمة ، فإن الكافر لما اعتقد أن حصولها كان على سبيل الاتفاق ، أو أنه حصلها بجده واجتهاده ، فحينئذ لا يشتغل بشكر الله على تلك النعمة والمسلم يشكر الله تعالى.
والحاصل : أن الكافر يكون عند زوال النعمة يئوسا وعند حصولها كفورا. ـ