قوله :](١)(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي : آمنوا على ما ذكر في غير واحد من الآيات : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الشعراء : ٢٢٧] ؛ كقوله : (وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [العصر : ١ ـ ٣] ، ويكون قوله : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) عن المعاصي فلم يرتكبوها ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : الطاعات والإيمان نفسه هو اعتقاد الانتهاء عن المعاصي كلها ، والاتقاء عن جميع ما يدخل نقصا فيها وإتيان الطاعات جميعا ، وهكذا يعتقد كل مؤمن أن [يتقي وينتهي](٢) كل معصية ، ويأتي بكل طاعة ويعمل بها ، هذا اعتقاد كل مؤمن وحقيقة الوفاء بذلك كله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) : يشبه أن يكون قوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لما ارتكبوا على (٣) الصغائر من الذنوب ، وانتهوا عن الكبائر منها ، (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) على ما أتوا وعملوا من الكبائر من الطاعات.
ويحتمل قوله (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) الستر في الدنيا ستر عليهم تلك الذنوب في الدنيا فلم يطلع عليها الخلق (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) بما أظهر منهم ما كان من الطاعات والخيرات حتى نظر الناس إليهم بعين تعظيم بما ظهر منهم من الخيرات وخفي عليهم ما ارتكبوا من المعاصي.
هذا التأويل يكون في الدنيا ، والأول في الآخرة.
قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١٤)
وقوله : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) ، وإن كان معلوما أنه لا يترك ؛ كقوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [البقرة : ١٤٧] وأمثاله ، نهاه وإن كان معلوما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يفعل ذلك ، وإنما احتمل النهي كما يقول الرجل لآخر لعلك تريد أن تفعل كذا فهو نهاه عن ذلك.
والثاني : يقال عند القرب إلى الفعل والدنو منه ؛ كقوله : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٤] يقال : حرف «كاد» عند الميل إليه والقرب منه طمعا منه في
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) في ب : ينتهي ويتقي.
(٣) في أ : من.