كقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) : هذا يدل على أن قوله : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) في الأئمة الذين صرفوا الناس عن دين الله ؛ لأنه أخبر أنه يضاعف لهم العذاب. وهو يحتمل وجهين :
أحدهما : لما ضلوا هم بأنفسهم ، والآخر : لما صرفوا الناس عن دين الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : و (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) : قالت المعتزلة فيه بوجهين :
أحدهما : أنهم كانوا يسمعون ويبصرون ، لكنه قال لا يستطيعون السمع ولا يبصرون استثقالا منهم لذلك ، وهو كما يقول الرجل : ما أستطيع أن انظر إلى فلان ولا أسمع كلامه ، وهو ناظر إليه سامع كلامه ، لكنه يقول ذلك لاستثقاله النظر إليه وسماع كلامه ؛ فعلى ذلك الأول كانوا يسمعون ويبصرون ، لكنهم كانوا يستثقلون السمع والنظر إليهم [فنفى عنهم](١) ذلك.
والثاني : كانوا لا يستطيعون السمع ، أي : كانوا كأنهم لا يستطيعون السمع ولا النظر ، وهو ما أخبر أنهم صم بكم عمى ، كانوا يتصامون ويتعامون الحق.
وأمّا عندنا : الجواب للتأويل الأول أنهم كانوا لا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون السماع سمع الرحمة والنظر إليه بعين الرحمة والقبول ، فهم من ذلك الوجه كانوا لا يستطيعون.
والثاني : يحتمل سمع القلب وبصر القلب ، وهم كانوا لا يستطيعون السمع سمع القلب وبصر القلب ؛ كقوله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] وهذه الاستطاعة عندنا هي استطاعة الفعل لا استطاعة الأحوال ؛ إذ جوارحهم كانت سليمة صحيحة ؛ فدل أنها الاستطاعة التي بها يكون الفعل لما ذكرنا.
وفي حرف ابن مسعود (٢) ـ رضي الله عنه ـ : (يضاعف لهم العذاب بما كانوا
__________________
(١) في أ : فنفاهم.
(٢) يجوز في «ما» هذه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون نافية ، نفى عنهم ذلك لما لم ينتفعوا به ، وإن كانوا ذوي أسماع وأبصار ، أو يكون متعلق السمع والبصر شيئا خاصّا.
والثاني : أن تكون مصدرية ، وفيها حينئذ تأويلان :
أحدهما : أنها قائمة مقام الظرف ، أي : مدة استطاعتهم ، وتكون «ما» منصوبة ب «يضاعف» ، أي : لا يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع والأبصار.
والثاني : أنها منصوبة المحل على إسقاط حرف الجر ، كما يحذف من «أن» و «أنّ» أختيها ، وإليه ـ