يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) ، ثم سئل الحسن عن ذلك؟ فقال : هو قول الله : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) [الكهف : ١٠١] إذا سمعوا الوحي تقنعوا في ثيابهم ، فلم يستطيعوا احتمال ذلك.
وفى حرف حفصة : وما كانوا يستطيعون السمع بالواو.
وأما في حرف ابن مسعود ظاهر تأويله أي : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ، فلم يسمعوا عنادا وإبطاء ، وأصله ما كانوا يستطيعون السمع المكتسب والبصر المكتسب عندنا ، ما (١) ذكر من السمع والبصر هو السمع المكتسب والبصر المكتسب والحياة المكتسبة ؛ لأن سمع الآخرة وحياتها مكتسبان ، وحياة الدنيا والسمع والبصر مخلوقة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) : أما في الدنيا عبادتهم غير معبودهم الذي كان منه جميع النعم والمنافع ، وما لحقهم بذلك من الذل والصغار ، وأما في الآخرة فالعذاب والهوان الدائم بدلا عن النعم الدائمة.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ) أي : بطل عنهم ، (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا ...) الآية [الزمر : ٣] وأمثاله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) : قال أبو عوسجة : لا جرم واجب من الكلام ، أي : الحق أنهم في الآخرة هم الأخسرون. وقال بعضهم : لا جرم أي : نعم إنهم في الآخرة هم الأخسرون. وقال الفراء : قوله : (لا جَرَمَ) أي : لا بد ، لكن (٢) الناس أكثروا استعماله فصار في معارفهم حقا ، ولا بد في الحقيقة حقا ؛ لأنه إذا كان لا بد فهو حق.
__________________
ـ ذهب الفراء ، وذلك الجار متعلق أيضا ب «يضاعف» أي : يضاعف لهم بكونهم كانوا يسمعون ويبصرون ، ولا ينتفعون.
والثالث : أن تكون «ما» بمعنى «الذي» وتكون على حذف حرف الجر أيضا ، أي : بالذى كانوا.
وفيه بعد ؛ لأن حذف الحرف لا يطرد.
والجملة من قوله : «يضاعف» مستأنفة.
وقيل : إن الضمير في قوله «ما كانوا» يعود على «أولياء» وهم آلهتهم ، أي : فما كان لهم في الحقيقة من أولياء ، وإن كانوا يعتقدون أنهم أولياء ؛ فعلى هذا يكون (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) معترضا.
ينظر : اللباب (١٠ / ٤٦٠).
(١) في أ : وما.
(٢) في أ : ولكن.