نقصان يقع فيهما أو زيادة وإن كان أحدهما يدخل في الآخر ، دل على ما ذكرنا أنهما يجريان ويختلفان على شيء واحد وجريان واحد ؛ أن فيهما تدبيرا غير ذاتي وعلما أزليّا وأنه واحد ؛ إذ لو كان التدبير فيهما لعدد لكانا مختلفين ولا يجريان على قدر واحد من غير تفاوت فيهما أو نقصان أو زيادة ، دل أنه واحد ، وبالله التوفيق.
وفي ذلك دلالة وحدانية منشئهما وخالقهما ؛ لأنه أنشأهما وبينهما من البعد ما بينهما من البعد ، وجعل منافع أحدهما متصلة بمنافع الآخر على بعد ما بينهما ، دل أن منشئهما واحد ؛ إذ لو كان فعل عدد منع كل منهم فعله عن الوصول بالآخر على ما هو فعل ملوك الأرض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ). مخالفة الله ويتقون جميع الشرور والمساوي.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا).
قال قائلون : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) من الرجاء ، أي : لا يرجون ما وعد للخلق من الثواب ، ولا يرغبون فيما يرجى ويطمع من الرغائب.
وقال بعضهم (١) : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي : لا يخافون لقاءنا ، فما من خوف إلا وفيه رجاء ، [وما من رجاء إلا وفيه خوف](٢) ؛ لأن الخوف الذي لا رجاء فيه هو يأس (٣) ، والرجاء الذي لا خوف فيه أمن ، لكن الغالب في الحسنات والخيرات الرجاء وفيه خوف ، والغالب في السيئات والشرور الخوف وفيه أدنى الرجاء ، وهو ما ذكرنا في الشكر والصبر أنهما واحد ؛ لأن الصبر هو كف النفس عن الشهوات واللذات (٤) ، والشكر هو استعمالها في الخيرات ، فإذا كفها عن الشهوات استعملها في الخيرات ؛ لذلك قلنا : إنهما في الحقيقة واحد ؛ ولأن الشكر هو القبول وكذلك الصبر أيضا ، غير أن الشكر في قبول النعم والصبر في قبول البلايا والمصائب ـ والله أعلم ـ يصير كأنه قال : إن الذين لا يؤمنون بالآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها).
__________________
(١) انظر تفسير ابن جرير (٦ / ٥٣٣) ، والبغوي (٢ / ٣٤٤).
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : إياس.
(٤) في أ : واللهوات.