وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) أي : مفاتيح الله في الرزق ، فهذا كأنهم سألوه السعة فيتبعونه ، فيقول : ليس عندي ذلك.
ويحتمل أن يكون قال لهم الرسول هذا لدفع الشبهة عنهم ، وذلك أن من الكفار من اتخذ الرسول إلها فعبدوه بعد ما عاينوا أنه من البشر.
ومنهم من قال : إنه ابن الله.
ومنهم من قال (١) : إنه ملك ، وكانوا يعبدون الملائكة وكانوا يخبرونهم عن أشياء غابت عنهم ، فظنوا أنه إنما علم ذلك لأنه إله ، فيقول لهم ذلك ليدفع عنهم (٢) تلك الشبهة ويتبرأ من ذلك ؛ ولذلك قال عيسى : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) [مريم : ٣٠ ، ٣١] هو ـ عليهالسلام ـ كان يعلم في نفسه أنه عبد الله ، ولكن يقول لهم لئلا ينسبوه إلى الألوهية والربوبية على ما نسبوا إليه ، فأقر بالعبودية (٣) له ، والله أعلم بذلك.
وقال بعض أهل التأويل : (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ، أي : مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم ، (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي : لا أقول : إن عندي علم ذلك أن الله يهديهم وهم مؤمنون في السر ؛ وذلك كقوله : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الشعراء : ١١٢].
وقوله : (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) : من الصدق.
(وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) أي : إنما [أنا](٤) بشر لقولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ...) إلى آخر الآية [هود : ٢٧].
ثم قال : (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) قيل : الذين حقرتموهم يعني السفلة والأتباع. وقال ابن عباس : الذين لم تأخذهم أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا يعني إيمانا الله أعلم بما في أنفسهم من الصدق ، إني إذا لمن الظالمين لهم إن لم أقبل منهم [الإيمان](٥) أو طردتهم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ)(٣٥)
__________________
(١) في ب : قالوا.
(٢) في ب : عنكم.
(٣) في ب : بالعبودة.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.