وَبَيْنَكُمُ) [الشورى : ١٥] لما أيس عن إيمانهم ، وانقطع طمعه ورجاؤه عن إسلامهم ، قال لهم ذلك أن لا محاجة بيننا وبينكم بعد هذا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٣٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) قال بعضهم : إن نوحا عليهالسلام لم يدع على قومه بالهلاك ما دام يرجو ويطمع من قومه الإيمان ، فإذا أيس وانقطع رجاؤه وطمعه فحينئذ دعا عليهم بالهلاك ؛ كقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(١) [نوح : ٢٦] أي أحدا ، (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ ...) الآية [نوح : ٢٧] ، وعرف الإياس عن إيمانهم بقوله : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ ...) الآية ؛ وكذلك سائر الأنبياء والرسل لم يؤذن [لهم](٢) بالدعاء على قومهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم ، ما داموا يرجون ويطمعون منهم الإيمان والإجابة لهم ، فإذا أيسوا وانقطع رجاؤهم وطمعهم عن ذلك ، فعند ذلك أذن لهم بالدعاء عليهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم [وعلى ذلك عوتب يونس بالخروج من بين أظهرهم قبل أن يؤذن له بالخروج من بينهم](٣).
وفي قوله : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) دلالة أن للإيمان حكم التجدد والابتداء في كل وقت [وفي](٤) كل حال ؛ لأنه أخبر أن الذي قد آمن قد يؤمن في حادث الوقت ؛ وعلى ذلك يخرج الزيادات التي ذكرت في الإيمان فزادتهم إيمانا ونحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) قيل : لا تحزن بما كانوا يفعلون (٥) ، فهو يحتمل وجهين :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٤) عن قتادة (١٨١٣٩) ، والضحاك (١٨١٤٠).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٩٢) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، ولأحمد في الزهد وابن المنذر وأبي الشيخ عن الحسن البصري.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٤) عن كل من : مجاهد (١٨١٣٥ ، ١٨١٣٦) ، ابن عباس (١٨١٣٧) ، قتادة (١٨١٣٩). ـ