ونجرها لم يكن ليعرف أن كيف يتخذ وكيف ينجر ، إنما عرف ذلك بتعليم الله إياه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) : هذا يحتمل وجهين.
يحتمل أي : لا تشفع إلي في نجاة الذين ظلموا فإنهم مغرقون في حكم الله.
والثاني : لا تخاطبني في هداية الذين هم في حكم الله أنهم يموتون ظلمة ، أي : لا تسألني إيمان من في علم الله أنه لا يؤمن ، وفيه نهي السؤال عما في علم الله أنه لا يكون ؛ لأنه إذا أخبر أنه لا يكون أو لا يفعل فإذا سأله كان يسأله أن يكذب خبره الذي أخبر أنه لا يكون ، وفيه أنه إذا أراد الله إيمان أحد آمن ، ومن لم يرد إيمانه لم (١) يؤمن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ) : الملأ هم الأشراف والرؤساء من قومه.
(سَخِرُوا مِنْهُ) : هم الذين سخروا منه ، قال بعضهم : سخريتهم منه أن قالوا : صار نجارا بعد ما ادعى لنفسه الرسالة (٢).
وقال بعضهم : سخريتهم منه لما رأوه يتخذ الفلك ، ولم يكن هنالك بحر ولا واد ولا مياه جارية ، إنما هي آبار لهم فقالوا : يتخذوا السفينة ليسيرها في البراري والمفاوز ونحوه من الكلام (٣).
وقال : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) وقالوا : سخريته منهم أنه إذا ركبوا الفلك رأوهم يغرقون ، قالوا : كنت على حق وعلى هدى ونحوه من الكلام ، لكن هذا لا نعلمه ولا حاجة لنا إلى معرفة سخريتهم أن كيف كانت سوى أن فيه سخروا منه.
ويحتمل قوله : (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) أي : نجزيهم جزاء سخريتهم.
وقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) : هو وعيد ، أي : سوف تعلمون أن حاصل سخريتكم رجع إليكم ؛ كقوله : (وَما يَخْدَعُونَ ...) الآية [البقرة : ٩] ، أي : سوف تعلمون إذا نجونا نحن ، وغرقتم أنتم من (يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أي : عذاب يفضحه ويهلكه وهو
__________________
(١) في أ : لا.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٦) (١٨١٥٢) عن عبيد بن عمير الليثي ، وذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٨٢).
(٣) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٣٥) (١٨١٤٨) عن عائشة مرفوعا ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٩٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ ، والحاكم وصححه ، وضعفه الذهبي وابن مردويه عن عائشة مرفوعا ، ولإسحاق بن بشير وابن عساكر عن ابن عباس.