تنورك فاركب (١) ، قالوا : كان الماء ينزل من السماء وينبع من الأرض ؛ كقوله : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١١ ـ ١٢] ، لكن جعل علامة وقت ركوبه السفينة هو خروج الماء من الأرض ونبعه منها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) : يحتمل هذا وجهين :
يحتمل إن كنا قلنا له إذا فار التنور : احمل فيها من كل زوجين اثنين.
ويحتمل وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) : الزوج هو اسم فرد لذى شفع ليس هو اسم الشفع حتى يقال عند الاجتماع ذلك ، ولكن ما ذكرنا أنه اسم فرد لذي شفع كان الإناث صنفا وزوجا والذكور صنفا وزوجا ، فيكون الذكر والأنثى زوجين ، والله أعلم.
وقوله : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي : من ذكر وأنثى ثم يحتمل زوجين من ذوي الأرواح التي تكون لهم النسل ؛ لئلا ينقطع نسلهم.
ويحتمل ذوي الأرواح وغيره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) : قال بعضهم : قوله : (وَأَهْلَكَ) أراد أهله والذين آمنوا معه ، يقول : احمل فيها من كل زوجين اثنين ، واحمل أهلك أيضا إلا من قد سبق عليه القول ، أي : إلا من كان في علم الله أنه لا يؤمن ، أو إلا من كان في علم الله أنه يهلك.
وقال بعضهم : قوله : (وَأَهْلَكَ) أراد أهله خاصّة ، ثم استثنى من سبق عليه القول ، وهو ابنه وزوجته وهما من أهله ، ألا ترى أنه ذكر من بعد من آمن معه وهو قوله : (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ) أي : احمل أهلك الذين آمنوا معك إلا من سبق عليه القول من أهلك وغيره أنه في الهالكين.
أو يقول : إلا من سبق عليه القول أنه لا يؤمن ، فهذا يدل أن في أهله من كان ظالما كافرا حيث استثني من أهله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) : يذكر هذا ـ والله أعلم ـ تذكيرا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مننه ونعمه التي أنعمها عليه ؛ لأن نوحا مع طول مكثه بين أظهر قومه وكثرة دعائه قومه إلى دين الله ومواعظه لم يؤمن من قومه إلا القليل منهم ؛ ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مع
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٤٠) عن كل من : ابن عباس (١٨١٦٩) ، الحسن (١٨١٧٠) ، مجاهد (١٨١٧١ ، ١٨١٧٢ ، ١٨١٧٣ ، ١٨١٧٤ ، ١٨١٧٥) ، الشعبي (١٨١٧٦) ، الضحاك (١٨١٧٨).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٩٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.