وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) يشبه أن يكون قوله : (لِلْمُتَّقِينَ) الذين اتقوا الشرك وأمكن الذين اتقوا الشرك والمعاصي كلها ، والأشبه أن يكون المراد منه اتقاء الشرك ؛ لأنه ذكر بإزاء قوله : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) فهو في العقد أشبه.
وقال بعض أهل التأويل في قوله : (اهْبِطْ بِسَلامٍ) من السفينة بسلام منا ، فسلمه الله ومن معه من المؤمنين من الغرق ، (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) يعني بالبركة أنهم توالدوا وكثروا بعد ما خرجوا من السفينة.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله : (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) ممن سبق له في علم الله البركات والسعادة من النبيين وغيرهم.
قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ)(٦٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) : هذا والله أعلم صلة قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) فيقول : ولقد أرسلنا هودا إلى عاد أخاهم.
ثم يحتمل قوله : (أَخاهُمْ) الأخوة تكون على وجوه : أخوة جنس يقال : هذا أخو هذا نحو مصراعي الباب ، يقال لأحدهما : هذا أخو هذا ونحو أحد زوجى الخف وأمثاله. وأخوة النسب. وأخوة الدين ؛ كقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠] فهو لم يكن أخا لهم في الدين ، فهو يحتمل أنه أخوهم في الجنس وفي النسب ؛ لأن الناس كلهم ينسبون إلى آدم فيقال : بنو آدم مع بعد ما بينه وبينهم ؛ فعلى ذلك يكون بعضهم لبعض