فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ(٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (٦٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) : هو ما ذكرنا ، أي : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا.
وقوله : (أَخاهُمْ) : قد ذكرنا أيضا أن الأخوة تتجه إلى وجوه ثلاثة : أخوة في الدين ، وأخوة في الجنس ، وأخوة في النسب [فهو لا يحتمل أن يكون أخاهم في الدين ، لكنه يحتمل أن يكون أخاهم من الوجهين الآخرين في الجنس والنسب](١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) : إن الرسل صلوات الله عليهم جميعا أول ما دعوا قومهم إنما دعوا إلى توحيد الله وجعل العبادة له ؛ لأن غيره من العبادات إنما يقوم بالتوحيد ، فكان أول ما دعاهم قومهم إليه لم يزل عادة الرسل وعملهم (٢) الدعاء إلى توحيد الله والعبادة له.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) : وقال بعض أهل التأويل : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يقول : هو خلقكم من آدم وخلق آدم من الأرض (٣) ، لكنه أضاف خلق الخلائق إليها (٤) ؛ كما أضاف في قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ...) الآية [الأعراف : ١٨٩] ، أخبر أنه خلقنا من نفسه ، أي : آدم ، وإن لم تكن أنفسنا منه (٥) ؛ فعلى ذلك إضافته إيانا بالخلق من الأرض ، وإن لم يخلق أنفسنا منها ، أي : خلق أصلنا وأنشأه من الأرض ، فأضاف إنشاءنا إلى ما أنشأ أصلنا.
ويشبه أن يكون قوله : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : جعل نشأة الخلائق كلهم ونماءهم
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) في أ : وعلمهم.
(٣) ذكره ابن جرير (٧ / ٦٢) ، والبغوي (٢ / ٣٩٠) ، والسيوطي بمعناه في الدر (٣ / ٦١١) وعزاه لأبي الشيخ عن السدي.
(٤) قال ابن الخطيب : (وفيه وجه آخر وهو أقرب منه ؛ وذلك لأن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث ، والمني إنما تولد من الدم ؛ فالإنسان مخلوق من الدم ، والدم إنما تولد من الأغذية ، والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحيوانات حالها كحال الإنسان ؛ فوجب انتهاء الكل إلى النبات ، والنبات إنما تولد من الأرض ؛ فثبت أنه تعالى أنشأنا من الأرض).
ينظر اللباب (١٠ / ٥١٢).
(٥) في أ : فيه.