وبين ربه ، وما كان بينه وبين الخلق ، حيث ذكر أنه حليم وأنه أواه ، وأنه منيب ، والمنيب ، قيل : المخلص لله وقيل : هو المقبل إلى الله بقلبه وبدنه ، وقد ذكرنا هذا في سورة التوبة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) يعني : عن المجادلة [التي كان يجادلهم (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي : جاء ما أمر به ربك ، وجاء موعودهم ، وأنهم (آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) أي : غير مدفوع لا يحتمل الردّ بالشفاعة.
ويحتمل قوله : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) عن المجادلة التي](١) ذكر أنه قد جاء أمر ربك بالانصراف والرجوع عنك.
ويحتمل : جاء أمر ربك من إنزال العذاب بهم.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)(٨٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) : قوله (سِيءَ بِهِمْ) قيل : أي : ساءه مجيئهم ومكانهم (٢) وكرههم لصنيع قومه بالغرباء مخافة أن يفضحوهم (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي : لم يدر كيف يصنع بهم ، وكيف يحتال ليدفع عن ضيفه سوء قومه.
والذرع : قيل : هو المقدرة والقوة ، أي : ضاق مقدرته وقوته (وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) قيل : فظيع شديد (٣) ؛ لأنه يوم يهتك فيه الأستار ، ويفضح الرجال.
وفيه دليل جواز الاجتهاد ؛ لأنه قال : يوم عصيب فظيع ، فبعد لم يظهر له شدته لكنه قاله اجتهادا ، والله أعلم.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٢) ذكره ابن جرير (٧ / ٧٩) وبمعناه البغوي (٢ / ٣٩٤).
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٨١) عن كلّ من : مجاهد (١٨٣٧٠) ، وقتادة (١٨٣٧١ ، ١٨٣٧٣) ، وابن إسحاق (١٨٣٧٢) ، وابن عباس (١٨٣٧٤).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦١٩) وعزاه لابن الأنبارى في الوقف والابتداء ، والطستي عن ابن عباس.