ويشبه أن يكون على حقيقة الوصف له بالحلم والرشد ؛ لأنهم لم يأخذوا عليه كذبا قط ، ولا رأوه على خلاف و [لا على](١) سفاهة قط ؛ فقالوا : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) ، أي : كنت هكذا ؛ فكيف تركت ذلك ، وهو ما قال قوم صالح لصالح حيث قالوا : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) ، وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : على [علم و](٢) بيان وحجج وبرهان من ربي ، على ما ذكرنا فيما تقدم ، أي : تعلمون أني كنت على بيان من ربى وحجج ، (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) : [يحتمل هذا منه مكان ما قال أولئك الأنبياء : (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) أي : قال شعيب : (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً)](٣) الدين والهدى ، [و](٤) النبوة على ما ذكر (٥) وأمكن أن يكون الرزق الحسن هو الأموال الحلال الطيبة التي لا تبعة عليه فيها فقال ذلك ؛ وما رزق أولئك عليهم تبعة في ذلك ؛ لأنهم اكتسبوها من وجه لا يحل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) من الناس من يقول : قال لهم ذلك بإزاء ما قالوا فيما ذكر في الأعراف : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) يقول : أأدعوكم (٦) إلى الإيمان بالله والتوحيد له ، وأنهاكم عن الكفر به ، ثم أرتكب ما أنهاكم عنه ، وأترك ما أدعوكم إليه؟!
وقال قتادة (٧) : لم أكن لأنهاكم عن أمر [وأرتكبه](٨) ، وهو واحد (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) [أي : ما أريد إلا الإصلاح لكم ما استطعت](٩) ، وفيه دلالة [على](١٠) أن الاستطاعة تكون مع الفعل [لا غير](١١) ، أما أن يكون أراد : استطاعة الإرادة أو استطاعة الفعل ، فكيفما كان ، فقد أخبر أنه يريد لهم من الصلاح ما استطاع ، ففيه ما ذكرنا ، وهو ينقض على المعتزلة مذهبهم ؛ لأنهم يقولون : الاستطاعة تتقدم [على](١٢) الفعل ، وهي لا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : أو.
(٥) في أ : ذكرنا.
(٦) في أ : أدعوكم.
(٧) أخرجه ابن جرير (١٨٥١٠) ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (٣ / ٦٢٧).
(٨) وفي أ : وأركبه.
(٩) سقط في أ.
(١٠) سقط في أ.
(١١) في أ : لا يخلو.
(١٢) سقط في ب.