الأنباء : نبأ بعد نبأ ، وهو كالأول.
وقال بعضهم : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) أي : في هذه الدنيا الحق (١) ؛ يعني : الآيات والحجج والبراهين لرسالته ودينه (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : جاءك ما تعظ به قومك ، وتذكر به المؤمنين.
[وقوله : (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) خص المؤمنين بذلك لما يكون منفعة الموعظة والذكرى للمؤمنين](٢) وإلا هو موعظة وذكرى للكل.
قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١٢٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) المكانة هي : المنزلة والقدر ، يقول : اعملوا أنتم على مكانتكم ومنزلتكم التي لكم عند أتباعكم ، كأنه يخاطب به الأشراف منهم والرؤساء (إِنَّا عامِلُونَ) على المكانة والمنزلة التي لنا عند الله فننظر أينا أرجح؟ نحن أو أنتم؟ وأينا أخسر نحن أو أنتم؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ) يخرج على وجهين :
أحدهما : على التوبيخ والتخويف عند ما بالغ في الحجاج فلم ينجع فيهم ، فقال عند ذلك كقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] ونحوه.
والثاني : على الإعجاز مما (٣) أرادوا به من المكر والكيد بقوله : اعملوا ما تريدون وأنا أعمل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَانْتَظِرُوا) أنتم بنا ذلك (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) بكم ذلك.
أو يقول هذا لما كانوا يوعدونه ويخوفونه من أنواع الوعيد ، فيقول : انتظروا بنا ذلك ما تخوفوننا إنا منتظرون بكم ما نخوفكم نحن ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال بعض أهل التأويل : ولله غيب
__________________
ـ وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦٤٦) وزاد نسبته لعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس ، ولأبي الشيخ وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري ، ولأبي الشيخ عن سعيد بن جبير والحسن البصري.
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٤٤) (١٨٧٧٦ ، ١٨٧٧٧) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦٤٦) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، ولأبي الشيخ عن الحسن البصري.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : لما.