وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) قوله : (أَنْزَلْناهُ) : الهاء كناية عن الكتاب الذي تقدم ذكره.
(قُرْآناً عَرَبِيًّا) أنزله بلسان العرب ، ولا ندرى بأى لسان كان في اللوح المحفوظ ، غير أنه أخبر أنه أنزله بلسان العرب ، وهكذا كل كتاب أنزل إنما أنزل بلسان المنزل عليهم ، لم ينزل بغير لسانهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
ما لكم وما عليكم ، وما تأتون وما تتقون ، أو تعقلون أن هذه الأنباء التي يخبركم بها محمد صلىاللهعليهوسلم من الله ـ تعالى ـ لأنها كانت في كتبهم بغير لسانه ، فأخبر على ما كانت في كتبهم ؛ دل أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.
أو لعلكم تعقلون بأن فيه شرفكم ؛ لأنكم تصيرون متبوعين لما يحتاج الناس إلى معرفة ما فيه ، ولا يوصل ذلك إلا بكم فتكونون متبوعين والناس أتباع لكم ؛ وهو كقوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [الأنبياء : ١٠] ، قال أهل التأويل : أي : فيه شرفكم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ).
قال بعضهم : قوله : (نَقُصُّ عَلَيْكَ) ، أي : نبين عليك أحسن البيان (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ).
وقال بعضهم : (نَقُصُّ عَلَيْكَ) أي : نخبرك أحسن ما في كتبهم من القصص ، وأحسن ما في كتبهم من الأنباء والأحاديث.
وقوله : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : أصدقه ، وكذلك قوله (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً) [الزمر : ٢٣] ، وأحسن الحديث : أصدقه وأحسن القصص (١) ؛ أي : أصدقه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ) أي : وقد كنتم من قبله (لَمِنَ الْغافِلِينَ).
__________________
(١) قال القرطبى : وذكر العلماء لكون هذه القصة أحسن القصص وجوها :
أحدها : أنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم ما تتضمن هذه القصة ؛ لقوله تعالى في آخرها : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ)[يوسف : ١١١]. ـ