قوله تعالى : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ)(١٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ).
دل قوله : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) على أنهم قد طلبوا إخراجه من أبيهم غير مرة ؛ لأن مثل هذا الكلام لا يتكلم به مبتدأ على غير مسابقة شيء من أمثاله ، فدل أنهم قد استأذنوه في إخراجه غير مرة.
(وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ).
الناصح : هو الدال على ما به نجاته ، أو الدال على كل خير ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
كأن يعقوب صلىاللهعليهوسلم خاف على نفسه ـ أعني : يوسف ـ الضيعة بتركهم حفظه (١) ، فأمنوه على ذلك بقولهم : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
وخاف عليه الضياع من جهة الجوع بتركهم حفظه أوقات الأكل فأمنوه على ذلك بقولهم : (يَرْتَعْ) أي : يأكل.
وخاف قلبه أن يكلفوه أمرا يشق عليه ويشتد ، فأمنوه [أيضا على ذلك](٢) بقولهم (وَيَلْعَبْ) لأنه ليس في اللعب مشقة ولا شدة ، فخاف عليه الضياع بالوجوه التي ذكرنا ، فأمنوه على تلك الوجوه كلها حتى استنقذوه من يديه.
وقوله : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ).
قال بعضهم : يرتع : يأكل ، ويلعب : يلهو كأنه خرج جوابا لقوله : (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) ، قالوا له : لا تحزن عليه فإنه يرتع ويلعب ؛ على التقديم والتأخير.
وقال بعضهم : يرتع : ينشط (٣) ، ويلعب : يتلهى (٤).
__________________
(١) في ب : حفظهم.
(٢) في ب : على ذلك أيضا.
(٣) في أ : ينبسط.
(٤) أخرجه بمثله ابن جرير (٧ / ١٥٥ ، ١٥٦) عن كلّ من :
ابن عباس (١٨٨٢٦ ، ١٨٨٢٧) ، وقتادة (١٨٨٢٨ ، ١٨٨٢٩ ، ١٨٨٣٠ ، ١٨٨٣٥) ، والضحاك (١٨٨٣١ ، ١٨٨٣٢ ، ١٨٨٣٦) ، والسدي (١٨٨٣٣ ، ١٨٨٣٤).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.