وقوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ).
قال بعض أهل التأويل : كان يعقوب ـ عليهالسلام ـ رأى في المنام أن يوسف أخذه الذئب (١) ، فمن ثمة قال : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنّ رؤيا الأنبياء أكثرها [صدق وحق](٢) ، فلا يحتمل أن رأى ذلك ثم يقول : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) أو يدعه يذهب معهم ، لكنه خاف عليه أكل الذئب على ما يخاف على الصبيان في المفاوز والبراري ؛ إذ الخوف على الصبيان في المفاوز والبراري والضياع عليهم يكون بالذئب أكثر من [أي] وجه آخر ؛ لأنه جائز أن يفترسه سبع من السباع عند مغافصته إخوته واشتغالهم بما ذكر من الاستباق ، ولا يحتمل الضياع من الناس يأخذه واحد من بين نفر.
وقال بعض أهل التأويل : إن قوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) كناية عن بنيه ؛ أي : أخاف أن تهلكوه وتضيعوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ).
أولو قوة.
(إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ).
تأويله ـ والله أعلم ـ : لئن أكله الذئب ونحن عصبة ؛ أي : جماعة (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) أي : كأنا نحن سلمناه إلى الذئب ، وعرضناه للضياع ؛ هذا ـ والله أعلم ـ معنى الخسران الذي ذكروا ، وإلا لم يلحقهم الخسران إذا أكله الذئب ؛ لأنه إذا كان بهم قوة المنع فلم يمنعوه فكأنهم ضيعوه.
قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)(١٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) : [غيابة الجب](٣) قد ذكرناه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
يحتمل قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) : وحي نبوة ، أو وحي بشارة النجاة من ذلك الجب ، أو
__________________
(١) ذكره الرازي (١٨ / ٧٨) ، وابن عادل في اللباب (١١ / ٤٥) ، والبغوي (٢ / ٤١٣).
(٢) في ب : حق وصدق.
(٣) سقط في أ.