افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا.
والثالث : يحتمل قوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) فلم أسمع أحدا ادعى البعث ، ولا أقام حجة عليه ، وأنا قد ادعيت البعث وأقمت على ذلك حجة ، أفلا تعقلون هذا أني لم أخترع من عند نفسي؟!
وقوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) : يشبه أن هذا صلة (١) قوله : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) أي كيف تطلبون مني إتيان غيره وتبديل أحكامه وقد تعرفون قبح الكذب وفحشه فكيف تسألونني الافتراء على الله وتكذيب آياته؟
ويحتمل أن يكون صلة ما ادعوا عليه (٢) أنه افتراه من [عند](٣) نفسه ؛ يقول : إنكم لم تأخذوني بكذب قط ، وقد لبثت فيكم عمرا فكيف تنسبوني إلى الكذب على الله ، وقد عرفتم قبح الكذب على الله وفحشه؟!
ويحتمل على الابتداء ثم قد ذكرنا أن قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) استفهام ، فجوابه ما قاله أهل التأويل : لا أحد أبين ظلما ولا أفحاش ممن افترى على الله كذبا ؛ لا أن تفسيره ما قالوه ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع.
(أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) : الافتراء على الله تكذيب بآياته ، وتكذيب آياته افتراء على الله.
قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(٢٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) يحتمل وجهين :
__________________
(١) قال القرطبي : هذا استفهام بمعنى الجحد ، أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب ، وبدل وأضاف شيئا إليه مما لم ينزل ، والمعنى : أن هذا القرآن لو لم يكن من عند الله ، لما كان أحد في الدنيا أظلم على نفسه مني ، حيث افتريته على الله ، ولما أقمت الدليل على أنه ليس الأمر كذلك ، بل هو وحي من الله ـ تعالى ـ وجب أن يقال : إنه ليس في الدنيا أحد أجهل ولا أظلم على نفسه منكم. والمقصود : نفي الكذب عن نفسه.
ينظر تفسير القرطبي (٨ / ٢٠٥).
(٢) في أ : إليه.
(٣) سقط في ب.