وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
هذا لأن القميص إذا كان قد من قبل فهو إنما ينقد من دفعها إياه عن نفسها ، وإذا كان القميص مقدودا من دبر فهو إنما ينقد من جرها إياه إلى نفسها ، لا من دفعها إياه عن نفسها ؛ هذا هو الظاهر في العرف ؛ لذلك قال الشاهد : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ) كذا (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ...) الآية ؛ استدل على أنه إنما تمزق من جرها إياه لا من دفعها عن نفسها (١) ، ففيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد ؛ لأن القميص في الغالب لا يتمزق من دبر إلا عن جر (٢) من وراء ، ولا من (٣) قبل إلا عن دفع من قدام ، لذلك دل على ما ذكرنا ، والله أعلم.
وإن كان يجوز أن يكون في الحقيقة على غير ذلك ، لكن نظر إلى الغالب.
وقال أبو عوسجة : قوله : (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ) ، أي : شقت ومزقت ، ومقدود : أي : مشقوق ، من دبر : أي : من خلف ، ومن قبل : أي : من قدام ، وهو مأخوذ من القبل ، من قبل المرأة.
وقوله : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) ولم يقل : سيدهما ؛ فهذا يدل على ما ذكرناه.
(لَدَى الْبابِ).
أي : عند الباب ، وهو ظاهر ؛ أي : وجدا سيدها عند الباب.
__________________
ـ أولها قوله : (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ).
وثانيها : قوله : (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ).
والثالث : قوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا) مع أنه تعالى قال : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)[الفرقان : ٦٣].
والرابع : قوله : (المخلصين) ، وفيه قراءتان : تارة باسم الفاعل ، وأخرى باسم المفعول ، وهذا يدل على أن الله تعالى ـ استخلصه لنفسه ، واصطفاه لحضرته ، وعلى كل وجه فإنه أدل الألفاظ على كونه منزها عما أضافوه إليه.
وأما إقرار إبليس بطهارته فقوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)[ص : ٨٢ ، ٨٣] فهذا إقرار من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى.
فثبت بهذه الدلائل أن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ برئ عما يقوله هؤلاء.
ينظر اللباب (١١ / ٦٣ ، ٦٤).
(١) في أ : نفسه.
(٢) في أ : دفع.
(٣) في أ : عن.