أي : أجاب له ربه ؛ فصرف عنه كيدهن.
هذا يدل على أن الدعاء كان في قوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ) ، ليس في قوله : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ، إنما هو خبر أخبره ؛ حيث أخبر أنه أجاب له ربه فصرف عنه كيدهن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
السميع لكل قول وكلام ؛ خفيّا كان على الخلق أو ظاهرا ، العليم به ؛ لا يخفى عليه شيء.
وفي قوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) ، (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ).
دلالة على أنهن كن يدعونه إلى ذلك من وجه كان يخفى عليه ولم يشعر به ؛ فالتجأ إلى الله في صرف ذلك عنه.
وقوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ).
ذكر في بعض القصة أنها قالت لزوجها : ما زال يوسف يراودني عن (١) نفسي فأبيت عليه فصدقها ؛ فحبسه في السجن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ).
قال أهل التأويل : هو قدّ القميص من دبره وخمش الوجه وغيره (٢) ، ولكنه يشبه أن يكون الآيات التي رأوها هي آيات نبوته ورسالته.
وقال بعضهم : حبسوه ، لينفوا عن المرأة ما رميت به ، ولينقطع ذلك عن الناس ، ويموت ذلك الخبر ويذهب ، فيه أنهم حبسوه بعد ما رأوا آيات عصمته وبراءته عما اتهموه ، وأنهم ظلمة في حبسه. والله أعلم.
قوله تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما
__________________
(١) في ب : من.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢١٠) عن كل من : مجاهد (١٩٢٦١ ، ١٩٢٦٣ ، ١٩٢٦٥ ، ١٩٢٦٧) ، وعكرمة (١٩٢٦٢) ، وقتادة بمثله (١٩٢٦٦) ، وابن إسحاق (١٩٢٦٨).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٢) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة ، ولابن المنذر عن مجاهد ، ولابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عكرمة عن ابن عباس بمثله.