شفاعة عنده ؛ إذ الشفيع يكون من له منزلة وقدر عند من يشفع (١) له ، والمنزلة تكون [للعبيد بما يتعبدهم](٢) ، فيقومون بتوفير ما يحتمل وسعهم من العبادة ، فأما من لا يحتمل التعبد فهو بعيد عما ذكر يعني سبحانه أن يجعل الشفاعة لمن ذكر دون الأنبياء والرسل ، وهم قد أخبروا أنها لا تملك ضرا ولا نفعا ، وفي الشفاعة ذلك.
والثاني : أن يكون عما أشركوا في العبادة ، فسبحانه عن أن يكون معه معبود أو يأذن لأحد بعبادة غيره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) اختلف فيه :
قال بعضهم (٣) : قوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) أي : أهل مكة كانوا كلهم أهل شرك عبّاد الأصنام والأوثان ، لم يكن فيهم اليهودية ولا النصرانية ولا شيء من اختلاف المذاهب ، فلما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم اختلفوا : فمنهم من آمن به وصدقه وأخلص دينه لله ، ومنهم من عاند وكابر في تكذيبه بعد أن عرف أنه رسول الله ومنهم من شك فيه ، ومنهم من لم ينظر في أمره قط ولا تفكر فيه ؛ فصاروا أربع فرق.
وقال بعضهم : قوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) ، بالفطرة ، أي : كانوا جميعا على الفطرة ، وفي فطرة كل [أحد](٤) الشهادة على وحدانية الله تعالى وألوهيته ؛ كقوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [آل عمران : ٨٣] ، وقوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] في خلقة كل أحد الشهادة لله بالوحدانية له والألوهية فاختلفوا : فمنهم من كان على تلك الفطرة ، ومنهم من كذب واختار الكفر ، وهو ما روي : «كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه وينصرانه» (٥).
أخبر أنهم على الفطرة لو تركوا على ذلك ، لكن أبويه يمنعانه عن الكون عليها.
وقيل : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) أي : كان الخلائق جملة أمم ؛ كقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨] كأنه يعاتب هذه الأمة يقول : إن الأمم مع اختلاف جواهرها وأجناسها كانوا خاضعين لله مخلصين له ،
__________________
(١) في أ : ينتفع.
(٢) في أ : للعبد بما يتبعه هم.
(٣) ينظر : اللباب (١٠ / ٢٨٨).
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه البخاري (٣ / ٦١٦) كتاب الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين (١٣٨٥) ومسلم (٤ / ٢٠٤٨) كتاب القدر ، باب معنى «كل مولود يولد على الفطرة» وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (٢٢ / ٢٦٥٨) عن أبي هريرة.