ولكن لا نعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى [أنه](١) لبث فيه حينا.
وقال أبو بكر الأصم : قوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) [سماهم : أصحاب السجن ؛ لأنهم كانوا في السجن ، كما يقال : أصحاب النار ، وأصحاب الجنة ، ونحوه ، لكنه لو كان ما ذكر لقال : يا صاحبا السجن](٢) بالألف ؛ فلما لم يقل هذا دل أنه أضافه إلى نفسه ؛ كأنه قال : يا صاحبي في السجن ؛ لأنهما كانا معه في السجن.
وقوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).
قيل : فرغ (٣).
وقيل : انتهى الأمر الذي فيه تستفتيان وأنهي ؛ كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ...) الآية [الإسراء : ٤].
وقوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) كأنه بلغ إليهما وحيا أوحى إليه وأمر به ؛ أي : هو كائن من غير رجوع كان منهما ؛ على ما يقوله أهل التأويل ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(٤٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ).
ذكر أنه رأى ، وليس فيه ذكر أنه رأى في المنام ، ولكن ذكر في آخر الرؤيا ؛ دل أنه رأى في المنام بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).
وفيه : أن من الرؤيا ما هو حق ولها حقيقة ، ومنها باطل لا حقيقة لها ؛ لأنه قال : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) فكأن ، الرؤيا هي حق ، ولها حقيقة ؛ بتأويل (٤) عواقبها ، وأضغاث أحلام : لا حقيقة لها.
__________________
(١) في أ : أن فيه أن.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٢٧).
(٤) في ب : تتأمل.