(وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر : ٥٦] والآية ترد على المعتزلة قولهم ؛ لقولهم : إن صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار وأنه ليس بكافر ؛ وهو آيس ـ على قولهم ـ من روح الله ، وقد أخبر أنه (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) وهم يقولون : إن صاحب الكبيرة آيس من روح الله ، وهو ليس بكافر.
قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي على يوسف (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) سموه عزيزا ، لما لعلهم يسمّون كل ملك عزيزا ، أو سموه عزيزا ؛ لما كان عند ذلك عزيزا ؛ بقوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) [يوسف : ٢١] أو لما كان بالناس إليه حاجة بالطعام الذي في يده ؛ وهو كان غنيّا عما في أيديهم والله أعلم.
قولهم : (مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ).
قال أهل التأويل : أصابنا الشدة والبلاء من (١) الجوع (٢).
(وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ).
قيل : دراهم نفاية مبهرجة لا تنفق في الطعام ؛ كاسدة (٣) ؛ لأنه كان في عزّة ؛ وتنفق في غيره.
وقال أبو عوسجة : (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أي قليلة. وكذلك قال القتبي (٤) : أي قليلة. وقال ابن عباس : هي الورق الرّديئة (٥) التي لا تنفق حتى يوضع (٦) منها.
__________________
(١) في أ : و.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٤٦) ، وكذا أبو حيان بمثله في البحر (٥ / ٣٣٦).
(٣) أخرجه ابن جرير بمثله (٧ / ٢٨٦) (١٩٧٤٨ ، ١٩٧٥٣) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٢٢).
(٥) في أ : الردية.
(٦) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨٥) (١٩٧٤٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لأبي عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.